9/640- وعن أبي يعلى شداد بن أوسٍ رضي الله عنهُ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدُكم شفرته، وليرح ذبيحتهُ)) رواه مسلم.
 
قال المؤلف النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين في باب الحِِلم والرفق والأناة في سياق الأحاديث الواردة في ذلك، نقل عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)).
كتبه على كل شي: يعني في كل شيء كتب الإحسان في كل شيء، يعني أن الله عزّ وجلّ شرع الإحسان في كل شيء، حتى في القتل، وحتى في الذبح، وفي غير ذلك من الأمور. عليك أن تكون محسناً لما تقوم به.
(( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة )) . وذلك لأن إزهاق النفوس يكون بالقتل أحياناً، وبالذبح أحياناً.
فالذبح والنحر يكون فيما يحل أي : فيما يؤكل ، ويكون النحر للإبل، والذبح فيما سواها، والنحر يكون في أسفل الرقبة مما يلي الصدر، والذبح يكون في أعلى الرقبة مما يلي الرأس، ولابد في الذبح والنحر من قطع الودجين، وهما العرقان الغليظان اللذان يجري منهما الدم ويتوزع على بقية البدن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ))"
ولا ينهر الدمَ إلا قطعُ الودجين، فالشرط في حل المذكى أو المنحور أن يقطع الودجان، أما الحلقوم الذي هو مجرى النفس، والمريء الذي هو مجرى الطعام، فقطعهما أكمل في الذبح والنحر، ولكن لي ذلك بشرط.
وأما القتل فيكون فيما لا يحل أكله، فيما أمر بقتله، وفيما أبيح قتله، ومما أمر بقتله الفأر كذلك العقرب، وكذلك الحية، وكذلك الكلب العقور، فتقتل هذه الأشياء ، وكذلك كل مؤذٍ فإنه يقتل.
وعند العلماء قاعدة تقول: ما آذى طبعاً قتل شرعاً، يعني ما كان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعاً، وما لم يؤذ طبعاً ولكن صار منه أذية فلك قتله، لكن هذا الأخير مقيد، فلو آذاك النمل في البيت، وصار يحفر البيت ويفسده فلك قتله وإن كان منهياً عنه في الأصل، لكن إذا آذاك فلك قتله، وكذلك غيره مما لا يؤذي طبعاً ولكن تعرض منه الأذية فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل. فمثلاً إذا أردت أن تقتل فأرة وقتلها مستحب فأحسن القتلة، أقتلها بما يزهق روحها حالاً، ولا تؤذها، ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئاً شيئاً لاصقاً تلتصق به، ثم يدعها تموت جوعاً وعطشاً، وهذا لا يجوز ، فإذا وضعت هذا اللاصق؛ فلابد أن تكرر مراجعته ومراقبته، حتى إذا وجدت شيئاً لاصقاً قتلته.
أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة وتقع فيه الفارة وتموت عطشاً أو جوعاً، فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( دخلت النارَ امرأةٌ في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض)).
المهم أن ما يشرع قتله فاقتله بأقرب ما يكون من إهلاكه وإتلافه، ومن ذلك الوزغ الذي يسمى السام الأبرص، ويسمى البرصي أيضاً، اقتله واحرص على أن تقتله بأن يموت في أول مرة، فهو أفضل وأعظم أجراً وأيسر له، وكذلك بقية الأشياء التي تقتل.
ومن ذلك من يقتل قصاصاً، لكن الذي يقتل قصاصاً فإنه يفعل به كما فعل في المقتول، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه قضية امرأة أتاها يهودي، وكان معها حلي، فقتلها وأخذ الحلي، لكن كيف قتلها، وضع رأسها على حجر وقتلها بالحجر الثاني، فرض رأسها بين حجرين. فأُتي إليها وفيها رمق من حياة، فقيل لها من قتلك ؟فلان، فلان، فلان، حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم، فأخذوا اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضّ رأسه بين حجرين، فوُضع رأسه على حجر ثم ضرب بالحجر الثاني حتى مات؛ لأن هذا قصاص، والله عزّ وجلّ يقول: ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )(البقرة:194).
لكن لو وجب قتله بالحرابة، يعني أنه صار يقطع الطريق على الناس ،يأخذ الأموال، ويقتل الناس، فهذا يقتل،لكن يقتل بالسيف إلا إذا كان قد مثل بمن قتله فيمثل به حسب ما فعل ، يفعل به كما فعل.
فإن قال قائل :ما تقولون في الرجل إذا زنا وهو محصن فإنه يرجم بالحصى، أي بالحجر الصغير حتى يموت، وهذا يؤلمه ويؤذيه قبل أن يموت فهل يعارض ذلك هذا الحديث؟
فالجواب لا. لا يعارضه؛ لأنه يحمل على أحد أمرين:
الأول:إما أن يراد بإحسان القتلة ما وافق الشرع، وحينئذٍ يكون الرجم من إحسان القتلة؛ لأنه موافق للشرع.
والثاني :إما أن يُقال هذا مستثنى دلت عليه السنة؛ بل دل عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه، ودل عليه صريح السنة.
فالزاني المحصن الذي تزوج وجامع زوجته ، إذا زنا والعياذ بالله فإنه يؤتى به، وتؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ومثل التمرة تقريباً أو أكبر قليلاً يضرب ويرجم حتى يموت، ويتقى المَقاتل يعني لا يضرب في موضع يموت به سريعاً؛ بل يضرب علي ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت؛ لأن هذا هو الواجب.
والحكمة من هذا أن البدن الذي تلذذ بالشهوة المحرمة، عمَّت الشهوة جميع بدنه، فمن الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه، وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وليحد أحدكم شفرته)) ، اللام هنا للأمر، ويحد : يعني يجعلها حديدة سريعة القطع، والشفرة السكين.
يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة أي مسنونة، بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم.
(( وليرح ذبيحته)) هذا أمر زائد على شحذ الشفرة، وذلك بأن يقطع بقوة، يضع السكين على الرقبة ثم يجرها بقوة، حتى يكون ذلك أسرع من كونه يجرها مرتين أو ثلاث، وبعض الناس يوفقه الله من مرة واحدة حتى يقطع الودجين والحلقوم والمريء؛ لأنه يأخذ السكين بقوة، وتكون السكين جيدة مشحوذة، فليسهل على الذبيحة أو المنحورة الموت.
ومن إراحة الذبيحة أن تضع رجلك على رقبتها، وتمسك الرأس باليد اليسرى وتذبح باليمنى، وحينئذٍ تكون مضجعة على الجنب الأيسر، ودع القوائم اليدين والرجلين وخلِّها تتحرك بسهولة؛ لأنك إذا أمسكت بها فإن هذا ضغط عليها، وإذا تركتها تتحرك بيدها ورجليها كان هذا أيسر لها، وفيه أيضاً فائدة وهي تفريغ الدم بهذه الحركة؛ لأنه مع الحركة والاضطراب يتفرغ الدم أكثر، وكلما تفرغ فهو أحسن.
وأما ما يفعله بعض العامة من أنه يأخذ بيدها اليسرى ويلويها على عنقها، ثم يبرك على قوائمها الثلاث رجل ويمسك بها حتى لا تتحرك أبداً ؛ فهذا خلاف السنة، السنة أنك تضع الرجل على الرقبة ثم تدع القوائم تتحرك؛ لأن ذلك أيسر لها وأشد فراغاً أو تفريغاً للدم.
فالشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) فإن هذا من الرفق.
ولننتبه إذا قتل الإنسان بحدٍّ ، يعني قتل وهو زانٍ أو قتل قصاصاً ، فإنه يصلى عليه، ويدعى له بالرحمة والعفو مثل سائر المسلمين ، لعل الله أن يعفو عنه ويرحمه.
أما من قُتل كافراً مرتدّاً فإنه لا يدعى له بالرحمة ، ولا يغسل. مثل أن يقتل إنسان لا يصلى، فإنه يقتل مرتداً كافراً، هذا لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يدعى له بالرحمة، ومن دعا له بالرحمة فإنه آثم متبع غير سبيل المؤمنين؛ لقول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(التوبة:113).


514 رواه البخاري، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب، رقم 6114) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة، ببا فضل من يملك نفسه عند الغضب...، رقم (2609).
515 رواه مسلم ، كتاب الأيمان ، باب الأمر بالأيمان بالله تعالى ...، رقم (17) (25).
516 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم (6024)، ومسلم ، كتاب السلام ، باب النهي عن تلقي الركبان...، رقم (2165).
517 رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، رقم (2593).
518 رواه مسلم، كتاب البر والصلة، بل فضل الرفق، رقم (2594).
519 رواه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع ، رقم (5).
520 رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، رقم (220).
521 رواه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم (304) ، ومسلم ، كتاب الأيمان، باب بيان نقصان الأيمان بنقص الطاعات...، رقم (80).
522 رواه مسلم، كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات ، رقم (338).
523 رواه البخاري، كتبا النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، رقم (5121).
524 رواه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، رقم (105).
525 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم (6010).
526 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا، رقم (6125)، ومسلم ، كتاب الجهاد، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، رقم (1734).
527 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا، رقم (6126)، ومسلم ، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للأثام...، رقم (2327).
528 رواه البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار، رقم (1957)، ومسلم ، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه...، رقم (1098).
529 رواه أحمد في المسند، في مسند الأنصار، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، رقم (20805).
530 رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، رقم (705)، ومسلم ، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، رقم (465).
531 رواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق ، رقم (2592).
532 رواه البخاري، كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب، رقم (6116).
533 رواه مسلم ، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، رقم (1955).
534 رواه البخاري، كتاب الذبائح، باب التسمية على الذبيحة...، رقم (5498)، ومسلم ، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، رقم (1968).
535 رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، رقم (3482) ، ومسلم ، كتب السلام ، باب تحريم قتل الهرة، رقم (2243).

الموضوع التالي


75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين قال الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) .وقال تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر:85) وقال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور:22). وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134). وقال تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) . والآيات في الباب كثيرة معلومة. 1/643- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحُدٍ؟ قال: (( لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلالٍ ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمُرهُ بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمدُ إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت: إن شئت اطبقتُ عليهم الأخشبين" فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) متفق عليه. ((الأخشبان )) : الجبلان المُحيطان بمكة. والأخشبُ: هو الجبل الغليظ.