2/644-عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى. رواه مسلم. 3/645- وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظٌ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ فجبذهُ بردائه جبذةٌ شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشيةُ البرد من شدة جبذته ، ثم قال: يا محمدُ مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء متفقٌ عليه.
 
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في باب العفو والإعراض عن الجاهلين، منها حيث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحداً لا خادماً ولا غيره بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وهذا من كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنه لا يضرب أحداً على شيءٍ من حقوقه هو الخاصة به؛ لأن له أن يعفو عن حقه، وله أن يأخذ بحقه.
ولكن إذا انتهكت محارم الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشد ما يكون أخذاً بها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقرّ أحداً على ما يغضب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي من أحوال الناس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلا إذا انتهكت محارم الله، فإنه لا يقر أحداً على ذلك.
ومن الأحاديث التي ساقها قصة هذا الأعرابي، الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة نجرانية غليظة الحاشية، فجبذه ، يعني: جذبه جذباً شديداً، حتى أثرت حاشية الجبة في عنق الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الجذب، فالتفت فإذا هو أعرابي يطلب منه عطاءً ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمر له بعطاء.
فانظر إلى هذا الخلق الرفيع؛ لم يوبِّخه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يضربه، ولم يكهر في وجهه، ولم يعبس؛ بل ضحك صلى الله عليه وسل ومع هذا أمر له بعطاء ، ونحن لو أن أحداً فعل بنا هذا الفعل ما أقررناه عليه؛ بل لقاتلناه، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)، فإنه التفت إليه وضحك إليه، وأعطاه العطاء.
وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون ذا سعة، وإذا اشتد الناس أن يسترخي هو.
وسئل معاوية رضي الله عنه بم سُست الناس؟ ؛ وذلك لأن معاوية معروف بالسياية والحكمة، فقال : أجعل بيني وبي الناس شعرة؛ إن جذبوها تبعتهم، وإن جذبتها تبعوني لكن لا تنقطع.
ومعنى كلامه أنه سهل الانقياد ؛ لأن الشعرة إذا جعلتها بينك وبين صاحبك إذا جذبها أدنى جذب انقطعت، لكن من حسن سياسته رضي الله عنه أنه كان يسوس الناس بهذه السياسية؛ إذا رأهم مقبلين استقبلهم، وإذا رأهم مدبرين تبعهم حتى يتمكن منهم.
فهكذا ينبغي للإنسان أن يكون دائماً في سياسته رفيقاً حليماً، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حسن الآداب والأخلاق.

الموضوع السابق


75- باب العفو والإعراض عن الجاهلين قال الله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) .وقال تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر:85) وقال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(النور:22). وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134). وقال تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) . والآيات في الباب كثيرة معلومة. 1/643- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحُدٍ؟ قال: (( لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلالٍ ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمُرهُ بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم على ثم قال: يا محمدُ إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت: إن شئت اطبقتُ عليهم الأخشبين" فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) متفق عليه. ((الأخشبان )) : الجبلان المُحيطان بمكة. والأخشبُ: هو الجبل الغليظ.