4/652- وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نُخامة في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رُئي في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: (( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنهُ يناجي ربهُ، وإن ربه بينهُ وبين القبلةِ فلا يبزقن أحدكم قبل القبلة، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه، ثُم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضهُ على بعضٍ فقال: (( أو يفعل هكذا)) متفقٌ عليه . والأمرُ بالبُصاقِ عن يساره أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، فأما في المسجد فلا يبصقُ إلا في ثوبه.
 
هذا الحديث الذي ذكره النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب الغضب إذا انتهك شرع الله عزّ وجلّ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، أي: في قبلة المسجد، فغضب عليه الصلاة والسلام وحكها بيده وقال: (( إن أحدكم يناجي ربه)) يعني إذا كان يصلي فإنه يناجي الله يعني يخاطبه، والله عزّ وجلّ يرد عليه.
فقد ثبت في الصحيح أن العبد إذا قال: الحمد لله رب العالمين، أجابه الله فقال: ((حمدني عبدي))، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال : (( أثنى على عبدي))، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: (( مجدني عبدي)) وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين" ، فإذا قال: أهدنا الصراط المستقيم، قال: ((هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) .
فأنت تناجي الله عزّ وجلّ بكلامه، وتدعوه سبحانه وتعالى، وتسبحه؟، وتمجده، وتعظمه. فهو سبحانه وتعالى أمامك بينك وبين القبلة، وإن كان سبحانه وتعالى في السماء فوق عرشه، فإنه أمامك؛ لأنه محيط بكل شيء و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر منع التنخم أمام القبلة يعني في قبلة الإنسان ذكر الشيء المباح؛ لأن هذا هو الهدي، وهذه هي الحكمة، أنك إذا ذكرت للناس ما هو ممنوع أن تذكر لهم ما هو جائز حتى لا تسد الأبواب عليهم. فأمر الإنسان أن يبصق عن يساره، أو تحت قدمه، أو في ثوبه ويحك بعضه ببعض؛ ثلاثة أمور: إما تحت قدمه يبصق ويطؤ عليها، وإما عن يساره، وهذا والذي قلبه متعذر إذا كان الإنسان في المسجد؛ لأنه يلوثه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((البصاقُ في المسجد خطيئة")) ، وإما في ثوبه ، فيبصق في ثوبه ويحك بعضه ببعض.
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن النخامة ليست نجسة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يبصق المصلي تحت قدمه أو في ثوبه، ولو كانت نجسة ما أذن له أن يبصق في ثوبه، وفيه التعليم بالفعل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ِ(( أو يقول هكذا، وبصق في ثوبه وحك بعضه ببعض)) وفيه أيضاً إطلاق القول على الفعل في قوله: (( أو يقول هكذا)) وهو يريد الفعل.
وفيه أيضاً: أن الإنسان لا حرج عليه أن يبصق أمام الناس، ولا سيما إذا كان للتعليم.
وفيه أن من المروءة ألاَّ يرى في ثوبك شيء يستقذره الناس- لأنه حكَّ بعضها ببعض- لئلا تبقى صورتها في ثوبك فإذا رآها الناس تأذوا منه وكرهوه. فالإنسان ينبغي أن يكون نظيفاً في مظهره وفي ثيابه وفي غير ثيابه، حتى لا يتقزر الناس مما يشاهدونه منه.
والشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر وعُرف في وجهه الكراهية لما رأى النخامة في قبلة المسجد، والله الموفق.


544 رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طوّل، رقم (704)، ومسلم ، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة...، رقم (466).
545 رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب ، رقم (6116).
546 رواه مسلم ، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867).
547 رواه البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان،رقم (6788)، ومسلم ، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره...، رقم (1688).
548 رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب حك البزاق باليد من المسجد، رقم (405)، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، رقم (551).
549 رواه مسلم ، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم (395).
550 رواه النسائي، كتاب المساجد، باب البصاق في المسجد، رقم (723).

الموضوع التالي


78- باب أمر وُلاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم قال الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء:215). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) . 1/653- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته والإمام راعي ومسؤول عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))متفق عليه.2/654- وعن أبي يعلى معقلِ بن يسارٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : (( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيتةً ، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)) متفق عليه. وفي رواية : (( فلم يحُطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة)) . وفي رواية لمسلم: (( ما من أمير يلي أمور المسلمين ، ثم لا يجهد لهم، وينصح لهم، إلا لم يدخل معهم الجنة)).

الموضوع السابق


2/650- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وقد سترتُ سهوة لي بقرامٍ فيه تماثيلُ، فلما رآهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه وقال: (( يا عائشةُ: أشدُّ الناس عذاباً ((السهوةُ)) : كالصُّفة تكون بين يدي البيت. و((القِرام )) بكسر القاف: ستر رقيق ، و (( هتكه)) أفسد الصورة التي فيه. 3/651- وعنها رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامةُ بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامةُ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حد من حُدودِ الله تعالى؟! " ثم قام فاختطب ثم قال: (( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريف تركوهُ ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وايم الله، لو أن فاطمة بنت مُحمدٍ سرقت لقطعتُ يدها)) متفقٌ عليه.