باب الوقار والسكينة قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} 703 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى ترى منه لهواته وإنما كان يتبسم متفق عليه اللهوات جمع لهاة: وهي اللحمة التي في أقصى سقف الفم
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى (باب الوقار والسكينة) والوقار: هو هيئة يتصف بها العبد يكون وقورا بحيث إذا رآه من رآه يحترمه ويعظمه والسكينة هي عدم الحركة الكثيرة وعدم الطيش بل يكون ساكنا في قلبه وفي جوارحه وفي مقاله ولاشك أن هذين الوصفين الوقار والسكينة من خير الخصال

التي يمن الله بها على العبد لأن ضد ذلك أن يكون الإنسان لا شخصية له ولا هيبة له وليس وقورا ذا هيبة بل هو مهين قد وضع نفسه ونزلها وكذلك السكينة ضدها أن يكون الإنسان كثير الحركات كثير التلفت لا يرى عليه أثر سكينة قلبه ولا قوله ولا فعله فإذا من الله على العبد بذلك فإنه ينال بذلك خلقين كريمين وضد ذلك أيضا العجلة أن يكون الإنسان عجولا لا يتحرى ولا يتأنى ليس له هم إلا القيل والقال اللذان نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ينهى عن القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال فإذا كان الإنسان ليس متأنيا ولا متثبتا في الأمور حصل منه زلل كثير وأصبح الناس لا يثقون في قوله وصار عند الناس من القوم الذين يرد حديثهم ولا ينتفع به ثم استشهد المؤلف بقول الله تبارك وتعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا

{وعباد الرحمن} : الذين من الله عليهم بالرحمة ووفقهم للخير هم الذين يمشون على الأرض هونا يعني إذا رأيت أحدهم رأيت رجلا في مشيته وقار بدون أن يعجل عجلة تقبح {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} : يعني قالوا قولا يسلمون به من شرهم وليس المعنى أهم يلقون السلام، بل المعنى أنه إذا خاطبه الجاهل قال قولا يسلم به من شره، إما أن يدافعه بالتي هي أحسن، وإما أن يسكت إذا رأى السكوت خيرا المهم أنه يقول قولا يسلم به، لأن الجاهل أمره مشكل، إن خاصمته أو جادلته فربما يبدر منه كلام سيئ عليك، وربما يبدر منه كلام سيئ على ما تدعو إليه من الخير فيسب الدين وما أشبه ذلك والعياذ بالله فمن توفيق عباد الرحمن أنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما يعني قالوا قولا يسلمون به ولا يحصل لهم به إثم، وكذلك من أوصافهم ما ذكره في آخر الآيات {والذين لا يشهدون الزور} يعني لا يشهدون القول الكذب ولا الفعل القبيح {وإذا مروا باللغو} أي: الذي ليس فيه خير ولا شر {مروا كراما} أي سالمين منه

وذلك أن الأشياء إما خير وإما شر وإما لغو فالشر لا يشهدونه واللغو يسلمون منه ويمرون به كراما والخير يرتعون فيه ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستجمع قط ضاحكا تبدو منه لهواته يعني ليس يضحك ضحكا فاحشا بقهقهة يفتح فمه حتى تبدو لهاته ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يبتسم أو يضحك حتى تبدو نواجذه أو تبدو أنيابه وهذا من وقار النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا تجد الرجل كثير الكركرة الذي إذا ضحك قهقه وفتح فاه يكون هينا عند الناس وضيعا عندهم ليس له وقار وأما الذي يكثر التبسم في محله فإنه محبوبا تنشرح برؤيته الصدور وتطمئن به القلوب

الموضوع التالي


باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} 704 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا متفق عليه زاد مسلم في رواية له: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في الصلاة 705 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع رواه البخاري وروى مسلم بعضه البر: الطاعة والإيضاع بضاد معجمة قلبها ياء وهمزة مكسورة وهو الإسراع

الموضوع السابق


700 - وعن أبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا في الخطبة رواه مسلم مئنة بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة دالة على فقهه 701 - وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قلبه ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أنبأنا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم قلت ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم رواه مسلم