باب الموعظة عند القبر 945 - عن علي رضي الله عنه قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعدة من النار ومقعده من الجنة فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وذكر تمام الحديث متفق عليه
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باب الموعظة عند القبر والموعظة هي تذكر الناس بما يلي قلوبهم إما بترغيب في خير وإما بترهيب من شر هذه هي الموعظة وأعظم واعظ وأفضله وأصلحه للقلب هو القرآن الكريم كما قال الله تعالى يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين فالقرآن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد هو أعظم واعظ لكن قلوب أكثر

الناس لا تتعظ بالقرآن لأنها فيها قسوة وقد قال الله تعالى فيمن إذا تتلى عليه الآيات {قال أساطير الأولين} والعياذ بالله قال الله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} يعني ختم عليها ما كانوا يكسبون من الأعمال السيئة حتى لا يشعروا بالقرآن كما يشعر به المتقون الذين من الله عليهم نسأل الله أن يمن علينا وعليكم ولكن مع ذلك قد يأتي إنسان أعطاه الله بيانا وفصاحة وعلما فيعظ الناس ويذكرهم ويلين من قلوبهم ما لا تلين به إذا تلي عليها القرآن وهذا شيء مشاهد مجرب كنا في جنازة ببقيع الغرقد المعروف الآن بالمدينة والغرقد نوع من الشجر معروف وسمي بقيع الغرقد لكثرة وجود هذا النوع من الشجر به وكان مدفن أهل المدينة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد قالها ثلاثا فكانوا في جنازة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعد الناس حوله لأن كل الناس يحبون أن يكونوا جلساء للنبي صلى الله عليه وسلم جلسوا حوله وفي يده مخصرة

يعني عود فنكس رأسه وجعل ينكت بالعود كالمهموم صلى الله عليه وسلم ثم قال ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار كل إنسان من بني آدم مكتوب مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة ومقعده من النار إن كان من أهل النار وذلك قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء لما قال هذا الكلام قالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب يعني مادام الأمر مكتوبا فما حاجة العمل فقال لا تدعوا العمل فالجنة لا تأتي إلا بعمل والنار لا تأتي إلا بعمل فلا يدخل النار إلا من عمل بعمل أهل النار ولا يدخل الجنة إلا من عمل بعمل أهل الجنة قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم تلا قوله تعالى {وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}

قال اعمل لا تتكل على الكتاب، الكتاب أمر مجهول ما ندري ما فيه لكن من عمل خيرا فهو بشرى أنه من أهل الخير ومن عمل سوى ذلك فهذا إنذار قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له فأنت يا أخي إذا رأيت الله قد يسر لك عمل أهل السعادة فأبشر أنك من أهل السعادة وإذا رأيت نفسك أنك تنقاد للصلاة للزكاة لفعل الخير عندك تقوى من الله عز وجل فاعلم واستبشر أنك من أهل السعادة لأن الله قال {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى} وإن رأيت العكس رأيت نفسك تنشرح بفعل السيئات والعياذ بالله وتضيق ذرعا بفعل الطاعات فأحذر أنقذ نفسك وتب إلى الله عز وجل حتى ييسر الله لك واعلم أنك إذا أقبلت على الله أقبل الله عليك حتى إذا أذنبت مهما أذنبت قال الله تعالى {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} وعلى هذا فإذا جاء الإنسان إلى المقبرة وجلس الناس حوله فهنا يحسن أن يعظهم بما يناسب بمثل هذا الحديث أو حديث عبد الرحمن بن مرة حين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهى إلى جنازة رجل من الأنصار ووجدهم يحفرون القبر ولم يتموا حفره فجلس

وجلسوا حوله كأن على رءوسهم الطير احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلالا لهذا المجلس وهيبة فجعل يحدثهم أن الإنسان إذا جاءه الموت نزلت إليه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب وجعل يحدثهم بحديث طويل يعظهم به هذه هي الموعظة عند القبر أما أن يقوم القائم عند القبر يتكلم كأنه يخطب فهذا لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يقف بين الناس يتكلم كأنه يخطب هذا ليس من السنة، السنة أن تفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فقط إذا كان الناس جلوسا ولم يدفن الميت فاجلس في انتظار دفنه وتحدث حديث المجالس حديثا عاديا بعض الناس أخذ من هذه الترجمة ترجمة النووي رحمه الله وقد ترجم بمثلها قبله البخاري في صحيحة باب الموعظة عند القبر أخذ من هذا أن يكون خطيبا في الناس يخطب الناس برفع صوت ويا عباد الله وما أشبه ذلك من الكلمات التي تقال في الخطب وهذا فهم خاطئ غير صحيح

الموعظة عند القبر تقيد بما جاء في السنة فقط لئلا تتخذ المقابر منابر فالمواعظ هادئة يكون الإنسان فيها جالسا ويبدو عليه أثر الحزن والتفكر وما أشبه ذلك لا أثر الشجاعة وكأنه ينذر الجيش يقول صبحكم ومساكم لكن فضل الله يؤتيه من يشاء فبعض الناس يفهم شيئا من النصوص فهما غير مراد بها والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

الموضوع التالي


باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة 946 - عن أبي عمرو وقيل أبو عبد الله وقيل أبو ليلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل رواه أبو داود 947 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قل إذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي رواه مسلم وقد سبق بطوله

الموضوع السابق


باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيترك حتى يتيقن موته 943 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه رواه الترمذي وقال حديث حسن 944 - وعن حصين بن وحوح رضي الله عنه أن طلحة بن البراء بن عازب رضي الله عنهما مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله رواه أبو داود