باب فضل قراءة القرآن
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين كتاب الفضائل الفضائل جمع فضيلة ثم بدأ بفرائض كتاب الله عز وجل فقال باب فضل قراءة القرآن والقرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله عز وجل تكلم به سبحانه وتعالى حقيقة كلاما سمعه جبريل ثم تلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى وإنه لتزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين وقال نزل به على قلبك لأن القلب هو محل الوعي والإدراك والفقه لتكون من المنذرين وقال الله تبارك وتعالى {لا تحرك به لسانك لتعجل به} وكان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على القرآن كان يبادر جبريل وجبريل يقرأ عليه يلقنه فيبادره القراءة فقال الله تعالى {لا تحرك به لسانك لتعجل به} يعني اسكت حتى يقرأ جبريل {إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأنه فاتبع قرءانه} يعني قرأه جبريل الذي رسول رب العالمين إلى محمد صلى الله عليه وسلم

{فإذا قرأنه فاتبع قرءانه} يعني أقرأه بعده {ثم إن علينا بيانه} يعني لا تقاطع جبريل في القراءة فهذا القرآن تكلم الله به جل وعلا وهو يتكلم به سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينزله كما قال تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وهذه الجملة جملة ماضية يعني أنها فعل ماض {قد سمع} يدل على تقدم كلام هذه المرأة وعلى تأخر كلام الله في قصتها وشأنها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله يسمع تحاوركما أن الله سميع بصير} وقال تعالى {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} هذا في أحد يقول إذ غدوت من أهلك إذا فالغدو سابق المؤمنين على كلام الله تعالى هذا والله جل وعلا يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء ولا يحل لنا أن نقول إن كلام الله تعالى ككلامنا يعني أن صوته في القرآن كأصواتنا كلا لكنه يتكلم بالحروف التي نتكلم بها فهذا القرآن الذي بين أيدينا هو الحروف التي نكون منها كلامنا وهو كلام الله عز وجل المعنى واللفظ كله كلام الله هذا هو ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف وأئمة أهل السنة أن القرآن كلام الله وأنه منزل من عنده وأن الله تكلم به حقيقة وأنه تلقاه عنه

جبريل ثم نزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين} فهو أمين أعني جبريل عليه الصلاة والسلام نزل به على أمين البشر جبريل أمين الملائكة ومحمد أمين البشر وكلاهما أمين على وحي الله عز وجل هذا القرآن له فضائل عظيمة فضائل عامة وفضائل في آيات وسور خاصة مثلا الفاتحة هي السبع المثاني وهي أم الكتاب آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله وهلم جرا هناك آيات أو سور لها فضل خاصة أما القرآن عموما فله أيضا فضائل عامة وهذا يوجب علينا أن نحرص غاية الحرص على تلاوة كتاب الله عز وجل ليلا ونهارا لأن الإنسان إذا تلا كلام الله صار له بكل حرف بكل حرف عشر حسنات الحرف الواحد من الكلمة له فيه عشر حسنات فمثلا (قل) فيها عشرون حسنة لأنها حرفان القاف واللام (أعوذ) هذه أربعة أحرف فيها أربعون حسنة وهذا ثواب عظيم لا يتصور الإنسان إذا قرأ هذا الكتاب العزيز العظيم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} وينبغي إذا قرأ القرآن أن يترسل فيه وألا يتعجل عجلة توجب سقوط بعض الحروف فإن بعض الناس يهذه هذا حتى

يسقط بعض الحروف هذا ما تلاه كما أنزل لابد من بيان الحروف لكن التجويد المصطلح عليه في كتب التجويد ليس بواجب لكنه من كمال تحسين الصوت الواجب ألا تسقط حرفا من الحروف ولا شدة من الشدات وأما قواعد التجويد المعروفة فهي من باب التحسين والتكميل وليست من باب الواجبات ولهذا يضعف القول بأن التجويد واجب وأن من لم يجود القرآن آثم فإن هذا قول ضعيف جدا بل يقال القرآن أمره ولله الحمد بين واضح لا تسقط حرفا من حروفه وأما مراعاة قواعد التجويد فليست بواجبة لكنها من باب تحسين الصوت بالقرآن واعلم أن القرآن أول ما نزل نزل على سبعة أحرف لأن الناس عرب من قبائل متعددة ولهجات مختلفة وأنتم تعرفون أن الواحد إذا أراد أن يتكلم بلهجة غيره يصعب عليه ويشق عليه فكان من رحمة الله عز وجل أن جعل القرآن على سبعة أحرف كل يقرأ بلهجته بقي على هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كله وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر في عهد عثمان صار الناس يقرءون على لهجاتهم فصار في هذا اختلاف واللغة القرشية كانت غلبت على جميع اللهجات بعد أن تطور اللسان وصارت الدولة كل خلفائها من قريش غلبت اللغة

القرشية غلب حرف قريش على جميع اللهجات فلما خاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أن يختلف الناس في كلام الله وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع أمر رضي الله عنه أن يوحد القرآن على حرف واحد ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش فجمع القرآن على حرف واحد على لغة قريش وهو الذي نقرأ به الآن ثم أمر بسائر المصاحف فأحرقت لئلا تبقى فيفتتن الناس بها فكان في ذلك مصلحة عظيمة وفضيلة لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا توصف فنسأل الله تعالى أن يجزيه عن المسلمين خيرا وأحث نفسي وإياكم على تلاوة كتاب الله لا تتركوا القرآن ولو في الشهر مرة تقرؤه كله أو مرتين أو أربعة أو عشر مرات وهذا أدنى ما يكون من الكمال أن تقرأه كل ثلاثة أيام هذا أفضل ما يكون وإن رأيت أنه لا يتيسر لك إلا في الأسبوع مرة أو كل عشرة أيام مرة أو في الأسبوعين مرة أو في ثلاثة أسابيع مرة أو في الشهر مرة المهم لا تهجر القرآن لأنه كلام الله عز وجل ولا يزيدك إلا نورا في القلب وبصيرة في العلم والله الموفق