باب فضل الوضوء قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} إلى قوله تعالى {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} .
 
قال النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب فضل الوضوء.
الوضوء في اللغة العربية مأخوذ من الوضاءة وهي الحسن والنظافة.
وأما في الشرع فهو تطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
والأعضاء الأربعة هي الوجه واليدان والرأس والرجلان والوضوء من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة حيث أمرهم به ورتب عليه الثواب الذي سيذكر في هذا الباب إن شاء الله قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية.
{يا أيها الذين آمنوا} إذا سمعت الله يقول {يا أيها الذين آمنوا} فانتبه وارعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خبر صادق تنتفع به

{إذا قمتم إلى الصلاة} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فريضة أو نافلة {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} {فاغسلوا وجوهكم} ولم يذكر الله تعالى غسل الكفين لأنه سنة وليس بواجب والوجه من الأذن إلى الأذن عرضا ومن منحني الجبهة إلى أسفل اللحية طولا ويدخل فيه المضمضة في الفم والاستنشاق في الأنف {وأيديكم إلى المرافق} والمرفق هو المفصل الذي بين الذراع والعضد وهو داخل في الغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل يديه شرع في العضد {وامسحوا برؤوسكم} الرأس يمسح ولا يجب غسله وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده لأن الرأس فيه شعر فلو فرض غسله لكان فيه مشقة على الناس ولجرى الماء على الثياب وللحق الناس مشقة في أيام الشتاء ولكن من رحمة الله أن الرأس يمسح ولا يغسل ومن الرأس الأذنان يمسحان أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح بأذنيه {وأرجلكم إلى الكعبين} يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين والكعبان هما العظمان الناتئان أسفل الساق وهما داخلتان في الغسل هذه أربع أعضاء وهذه هي أعضاء الوضوء ثم قال عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} وفي الآية الثانية

{فاغتسلوا} يعني إذا كان الإنسان عليه جنابة وجب عليه أن يطهر جميع بدنه من رأسه إلى أخمص قدميه ومنه المضمضة والاستنشاق فالمضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وكذلك الغسل.
والجنب هو الذي حصلت عليه جنابة والجنابة إما إنزال المني بشهوة وإما جماع وإن لم ينزل فإذا جامع الإنسان زوجته وجب عليه أن يغتسل سواء أنزل أم لم ينزل وإذا أنزل وجب عليه غسل سواء جامع أو لم يجامع حتى لو فكر وأنزل وجب عليه الغسل {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} يعني أن الإنسان إذا وجب عليه الوضوء أو الغسل ولم يجد ماء أو كان مريضا يتضرر باستعمال الماء فإنه يتيمم يضرب الأرض بكفيه ويمسح وجهه وكفيه {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} يعني فيما فرض علينا لم يرد أن يحرجنا ويلحق بنا المشقة بل هو أرحم بنا من أنفسنا وأولادنا وأمهاتنا والدليل على أنه أرحم بنا من أنفسنا قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} يوصيك ألا تقتل نفسك هو أرحم بك من نفسك فهو لا يريد منا بهذا الفرض أن يشق علينا أو يلحقنا الحرج ولكن يريد ليطهركم هذا الذي أراده الله منا بالوضوء والغسل أن يطهر ظواهرنا بالماء وبواطننا بالتوحيد ولهذا يسن إذا فرغت من الوضوء أن تتشهد تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن

محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين {وليتم نعمته عليكم} وذلك بهذا الوضوء الذي يحصل به تكفير السيئات ورفعة الدرجات فإن من توضأ وأسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وقوله {ولعلكم تشكرون} أي لأجل أن تشكروا الله عز وجل على نعمه & فالواجب على المرء أن يشكر الله على نعمه لأن نعم الله لا تحصى ولاسيما النعم الدينية لأن بها سعادة الدنيا والآخرة.
والشكر هو القيام بطاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه باللسان والأركان والقلوب نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته إنه على كل شيء قدير.