باب فضل قيام الليل قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وقال تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} وقال تعالى: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون} |
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب فضل قيام الليل.
قيام الليل يعني: الصلاة فيه وهو أفضل الصلاة بعد المكتوبة، كما سيأتي إن شاء الله في الأحاديث. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الثناء على القائمين في الليل، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتهجد، قال: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فأمر الله نبيه أن يتهجد من الليل يعني لا كل الليل، لأن قيام كل الليل ليس من السنة إلا أحيانا، كقيام عشر رمضان، وأما البقية فالسنة أن ينام ويقوم. قوله: {فتهجد به نافلة لك} اختلف العلماء في قوله: {نافلة لك} فقيل: المعنى أن هذا خاص بك يعني الوجوب، وجوب التهجد، لأن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه التهجد إلا أن ينذره، إن نذر أن يتهجد لزمه الوفاء بالنذر وإلا فلا. أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجب عليه أن يتهجد من الليل، وقيل: المعنى {نافلة لك} يعني أنه نافلة أي زيادة، فضل وهذا له ولغيره عليه الصلاة والسلام. ثم قال تعالى مبينا ما يكون من ثمرات التهجد، قال: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال العلماء: إذا قال الله تعالى في القرآن عسى فهو واجب يعني أن الله سيبعثك مقاما محمودا أي يبعثك يوم القيامة مقاما تحمد عليه من كل الخلائق. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم المقام المحمود يوم القيامة، ومنه الشفاعة العظمى، يعني من المقام المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى، وهي أن الناس يوم القيامة يبعثون في صعيد واحد ليس هناك جبال ولا أشجار ولا بناء ولا أنهار، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا يحول بينهم وبين الداعي شيء ولا بينهم وبين الرائي شيء في صعيد واحد. وتدنو الشمس، تدنو الشمس منهم حتى تكون على قدر ميل، ويطول هذا اليوم حتى يكون مقداره خمسين ألف سنة، سبحان الله، الإنسان ما يستطيع أن يقف ولا أربعا وعشرين ساعة، لكن هذا اليوم مقداره خمسون ألف سنة. فيلحق الناس من الهم والكرب ما لا يطيقون، فيطلب بعضهم إلى بعض النظر في الأمر لعل أحدا يشفع لهم عند الله عز وجل لكي يريحهم من هذا الموقف، يلهمهم الله عز وجل أن يذهبوا إلى آدم، آدم أبو البشر، كل البشر أبوهم واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام، وكما هو العادة أن الإنسان يفر إلى أقرب من يراه أنه أنفع، فيذهبون إلى أبيهم، ألا ترى ما نحن فيه، إن الله خلقك بيده، وعلمك أسماء كل شيء وأسجد لك الملائكة، يعني أعطاك خيرا كثيرا، فاشفع لنا إلى الله، فيعتذر يعتذر بماذا؟ يقول: إن الله نهاه عن أكل الشجرة فأكل منها، وهذه معصية، فهو خجلان من الله عز وجل، فكيف يشفع لكم عند الله؟ فيذهبون إلى نوح وهو أول الرسل من البشر، أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض هو نوح صلى الله عليه وسلم فيذكرونه بنعمة الله عليه، أنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، ولكنه يعتذر، يعتذر بماذا؟ بقوله: {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} لأن الله وعده أن ينجيه وأهله وكان أحد أبنائه كافرا لم ينج من الماء حتى قال له نوح: {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} يعني ولا أركب معك لأن المياه عظيمة، فكيف كانت؟ السماء فتحها، في قراءة {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} وفي قراءة {فَفَتَّحْنَا أبواب السماء} وهي أعظم فتح الله أبواب السماء بماء منهمر غزير أشد من القرب وفجرنا الأرض عيونا حتى التنور الذي هو محل النار وهو أشد الأرض يبوسة وأبعدها من الماء، بدأ التنور يفور فجرنا الأرض عيونا، كل الأرض إذا كان السماء فتحت بماء منهمر، والأرض فجرت بالعيون كيف يكون منسوب المياه؟ يكون عظيما عظيما حتى صعد الماء إلى قمم الجبال. وكانت امرأة معها صبي من الكفار الذين كفروا بنوح معها صبي، كلما ارتفع الماء في الجبل صعدت عليه، كلما ارتفع صعدت عليه، حتى وصل الماء إلى قمة الجبل فارتفع المنسوب ووصل إلى كعبيها ثم إلى ركبتيها ثم ألجمها الماء فرفعت صبيها هكذا من أجل أن ينجو من الغرق، فتغرق هي والولد ترجو أن ينجو من الغرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو نجا الله أحدا لنجى أم الصبي لكن والعياذ بالله قضى الله على أهل الأرض أن يغرقوا كلهم إلا من ركب في هذه السفينة. ابن نوح الذي كفر بأبيه أبى أن يركب، قال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} قال له أبوه {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} غرق لكن نوحا عليه الصلاة والسلام قال: {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} سبحان الله كلام الله عز وجل لنبي من الأنبياء من أولي العزم: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} فيأتون إلى نوح في ذلك اليوم نسأل الله أن ينجينا وإياكم من عذابه يأتون إلى نوح ويقولوا اشفع لنا، فيذكر ذنبه أنه سأل ما ليس له به علم، والمذنب ليس له وجه يشفع، المذنب لا يمكن أن يشفع عند من عصاه، لأنه ليس له وجه فيعتذر. فيذهبون إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أبو الأنبياء الذي أمرنا أن نتبع ملته ويذكرونه بنعمة الله عليه ولكنه يعتذر، يعتذر بأشياء ما تضره، ولكنه عليه الصلاة والسلام بكمال إيمانه جعلها من الأشياء الضارة، فيذكر ما يذكر من العذر، ويقول: اذهبوا إلى موسى. يأتون موسى ويذكرونه بنعمة الله عليه، ولكنه يعتذر، بماذا يعتذر؟ يقول: إنه قتل نفسا لم يؤذن له بقتلها حين قتل القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي، إسرائيلي من بني إسرائيل كان مع قبطي يتنازعان، وكان موسى من أشد الناس صرامة قويا شديدا، وهذا من حكمة الله، لأن بني إسرائيل لا ينفعهم إلا الأقوياء الأشداء، فبعثه الله إلى بني إسرائيل، فلما رأى هذا القبطي قد استغاثه الإسرائيلي عليه وكزه موسى يعني أعطاه وكزة بيده، فقضى عليه. فقال يعتذر أنه قتل نفسا لم يؤم بقتلها، اذهبوا إلى عيسى، فيذهبون إلى عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، الذي هو آخر الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام، ليس بينه وبينه نبي ولا رسول، ولكنه يعتذر بدون أن يذكر شيئا، لكنه يدلهم على من هو أكمل منه، وهو محمد صلوات الله وسلامه عليه أسأل الله تعالى أن يدخلني وإياكم في شفاعته يأتون إلى محمد فيقول: أنا لها ويذهب ويسجد تحت العرش بعد إذن الله عز وجل، ثم يؤذن له بالشفاعة فيشفع، فينزل الرب عز وجل للقضاء بين عباده، فيقضي بينهم ويستريحون من هذا الموقف. هذا المقام يا إخواني هل يحمد عليه الرسول؟ نعم لا شك كل الأنبياء الكرام والرسل، أولو العزم كلهم يعتذرون حتى تصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وانظر كيف كانت هذه السلسلة، يعني لو شاء الله تبارك وتعالى لدلهم على محمد من أول الأمر، لكن ليظهر فضل هذا النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، ويتحقق قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ونعم هذا المقام مقاما، فصلوات الله وسلامه عليه، وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام عن الآيات. |