باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصيام وما يتعلق به قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} إلى قوله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} الآية.
 
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب وجوب صوم رمضان وبيان فضل الصوم وما يتعلق به.
ذكره رحمه الله بعد الكلام على الزكاة لأن هذا هو الترتيب الذي جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسألة جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها.
صوم رمضان: هو التعبد لله سبحانه وتعالى بترك الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا هو الصيام أن يتعبد الإنسان لله بترك هذه الأشياء لا أن يتركها على العادة أو من أجل البدن ولكنه يتعبد لله بذلك يمسك عن الطعام والشراب والنكاح وكذلك سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من هلال رمضان إلى هلال شوال.

وصيام رمضان أحد أركان الإسلام هذه منزلته في دين الإسلام وهو فرض بإجماع المسلمين لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.
ثم ذكر المؤلف الآيات التي تدل على هذا فقال: يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فوجه الله الخطاب للمؤمنين لأن صيام رمضان من مقتضيات الإيمان ولأن صيام رمضان يكمل به الإيمان ولأن ترك صيام رمضان ينتقص به الإيمان.
واختلف العلماء فيما لو تركه تهاونا أو كسلا هل يكفر أم لا؟ والصحيح أنه لا يكفر وأنه لا يكفر الإنسان بترك شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين والصلاة وقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} أي: فرض وقوله {كما كتب} أي: كما فرض {على الذين من قبلكم} وإنما ذكر الله تعالى أنه فرض على من قبلنا ولم يذكر مثل ذلك في الصلاة لأن الصيام فيه مشقة فيه تعب فيه ترك المألوف ولا يخفى أنه في أيام الحر وطول النهار يكون شديدا على النفوس فذكر الله أنه فرضه على من قبلنا تسلية لنا لأن الإنسان إذا علم أن هذا الشيء له ولغيره هان عليه وذكره أيضا من أجل أن يبين أنه جل وعلا أكمل لنا الفضائل كما أكمل لمن سبقنا ما شاء من الفضائل.
وقوله: {لعلكم تتقون} أي: لأجل أن تتقوا الله، لأن الصيام جنة.
يقيك من المعاصي، ويقيك من النار لأن من صام رمضان إيمانا

واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه {لعلكم تتقون} أي من أجل التقوى وهذه هي الحكمة من إيجاب الصوم ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه لأن الله لم يرد أن يعذب العباد بترك ما يشتهون ويألفون ولكنه أراد أن يدعوا قول الزور والعمل به والجهل.
ثم قال: {أياما معدودات} ذكرها على وجه التقرير ليبين أن المسألة ليست شهورا ولا سنوات ولكنها أيام وليست طويلة أياما معدودات.
{فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وهذا أيضا تفسير آخر، أولا: الأيام قليلة أيام معدودة ثانيا: أن من كان يشق عليه الصوم أو سافر فإنه يفطر وعليه عدة من أيام أخر.
{وعلى الذين يطيقونه} وهم مقيمون {فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم} هذا في أول الأمر أول ما فرض الله الصوم قال للذين يطيقونه عليكم فدية طعام مسكين فإن تصدقتم فهو خير لكم وأن تصوموا خير لكم فخير الله الناس في أول الأمر بين أن يصوم الإنسان أو يطعم عن كل يوم مسكينا ثم تعين الصيام

في الآية التي بعدها.
{إن كنتم تعلمون} أي إن كنتم من ذوي العلم الذين يفهمون.
ووجه ذلك أن الصوم أشق على كثير من الناس من إطعام المسكين فلما كان أشق علم أنه أفضل لأن الإنسان إذا عمل عبادة شاقة بأمر الله كان أجرها أعظم ومن ثم كان الأبعد من المسجد أعظم أجرا من الأدنى من المسجد لأنه أكثر عملا لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يطلب المشقة في العبادات التي يسرها الله هذا من التنطع في الدين لكن إذا كلفك الله بعبادة وشقت عليك صار هذا أعظم أما أن تتطلب المشقة كما يفعل بعض الجهال في أيام الشتاء مثلا يذهب فيتوضأ بالماء البارد يقول: لأن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات ويمحو به الخطايا نقول: يا أخي ما هذا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا توضأ بماء بارد في أيام الشتاء كان أعظم أجرا ولكنه لم يقل: اقصد الماء البارد فإذا من الله عليك بالماء الساخن تستطيع أن تسبغ الوضوء فيه إسباغا كاملا فهذا أفضل.
{فمن كان منكم مريضا} والمرض ثلاثة أقسام: 1 - قسم مرضي لا يرجى برؤه بل هو مستمر فهذا لا صيام على المريض ولكن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا لأنه من جنس الكبير العاجز عن الصوم الذي لا يرجى زوال عجزه.
2 - القسم الثاني: المريض مرضا يضره الصوم، ويخشى عليه أن يهلك

به كمريض لا يستطيع الاستغناء عن الماء مثل بعض أنواع المرض السكري وما أشبه ذلك فهذا يحرم عليه الصوم لقول الله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} .
3 - والقسم الثالث: مرض يشق معه الصوم لكن لا ضرر فيه والأفضل أن يفطر ولا يصوم ويقضي بعد ذلك وأما المرض الذي لا يتأثر به الصيام كمرض العين اليسير ومرض السن وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز فيه الفطر لأن الحكمة من الرخصة هي إزالة المشقة وهذا لا مشقة عليه إطلاقا فلا يحل له الفطر والأصل وجوب الصوم في وقته إلا بدليل بين واضح يبيح للإنسان أن يفطر ثم يقضي بعد ذلك.
وأما السفر فإنه ينقسم كالمرض أيضا إلى ثلاثة أقسام قسم يضره الصوم ويشق عليه مشقة شديدة بسبب سفره مثل أن يسافر في أيام الحر والأيام الطويلة ويعلم أن لو صام لتضرر به وشق عليه مشقة غير محتملة فهذا يكون عاصيا إذا صام والدليل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصوم وهم في سفر فدعا بماء فشربه والناس ينظرون إليه حتى لا يكون في صدورهم حرج إذا أفطروا وكان ذلك بعد العصر ولكن بعض الصحابة رضي الله عنهم بقوا على صومهم فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة فوصفهم بالعصيان لأنهم لم يقبلوا

رخصة الله مع مشقة ذلك عليهم مشقة شديدة.
والقسم الثاني من يشق عليه مشقة ولكنها محتملة فهذا يكره له الصوم وليس من البر أن يصوم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، قال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر.
والقسم الثالث: من لا يتأثر بالسفر إطلاقا يعني صائم ولا يتأثر لأن النهار قصير والجو بارد ولا يهمه فهذا اختلف فيه العلماء أيهما أفضل يفطر أو يصوم أو يخير والصحيح أن الأفضل أن يصوم لأن ذلك أشد اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أيسر على المكلف فإن الصيام مع الناس أيسر من القضاء ولأنه أسرع في المبادرة في إبراء الذمة ولأنه يوافق الزمن الذي يكون فيه الصوم أفضل وهو شهر رمضان فمن أجل هذه الأربعة كان الصوم أفضل.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وكان الصيام في السفر وأكثرنا ظلا صاحب الكساء وما فينا صائم إلى رسول الله وعبد الله بن رواحة) .

هذا حكم الصوم في السفر والسفر عام فيمن يسافر للعمرة أو يسافر لغير ذلك وفيمن سفره دائم وسفره عارض وعلى هذا فإن أصحاب سيارات الحمولة يفطرون ولو كان سفرهم مستمرا لأن لهم وطنا يأوون إليه فإذا فارق الرجل الوطن فهو مسافر فإن سأل سائل متى يصومون قلنا يصومون في أيام الشتاء أو إذا قدموا إلى بلدهم.

الموضوع التالي


1215 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه متفق عليه. وهذا لفظ رواية البخاري وفي رواية له: يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها. وفي رواية لمسلم: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره فرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك.

الموضوع السابق


1214 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها، حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات. قيل: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} متفق عليه. وهذا لفظ مسلم. ومعنى القاع: المكان المستوى من الأرض الواسع والقرقر: الأملس.