1505 - وعن جابر بن سمرة، رضي الله عنهما. قال: شكا أهل الكوفة سعداً، يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً - أو رجالاً - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول، شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن متفق عليه.
 
هذه من الكرامات التي نقلها المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصاحين، وهي ما رواه جابر بن سمرة في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان سعد معروفاً بإجابة الدعوة (مستجاب الدعاء) يعني أن الله أعطاه كرامة وهو أن الله تعالى يجيب دعوته إذا دعا، وقد جعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أميراً على أهل الكوفة، لأن المسلمين لما فتحوا العراق مصروا الأمصار وجعلوا البصرة والكوفة وهما أشهر ما يكون في العراق، ثم إن أمير المؤمنين جعل لهم أمراء، فأمر سعد بن أبي وقاص على الكوفة، فشكاه أهل الكوفة إلى أمير المؤمنين عمر، حتى قالوا إنه لا يحسن أن يصلي، وهو صحابي جليل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فأرسل إليه عمر، فحضر وقال له: إن أهل الكوفة شكوك حتى قالوا: إنك لا تحسن تصلي، فأخبره سعد رضي الله عنه أنه كان يصلي بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صلاة العشاء وكأنها - والله أعلم - هي التي وقع تعيينها من هؤلاء الشكاة، فقال: إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أخرم عنها يعني لا أدعها، فكنت أطول في العشاء بالأوليين وأقصر في الأخريين، فقال له عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، فزكاه عمر؛ لأن هذا هو الظن به، أنه يحسن الصلاة وانه يصلي بقومه الذين أمر عليهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع ذلك تحرى ذلك عمر رضي الله عنه لأنه يتحمل المسئولية ويعرف قدر المسئولية، أرسل رجالاً إلى أهل الكوفة، يسألونهم عن سعد وعن سيرته، فكان هؤلاء

الرجال، لا يدخلون مسجداً ويسألون عن سعد إلا أثنوا عليه معروفًا.
حتى أتى هؤلاء الرجال إلى مسجد بني عبس، فسألوهم، فقام رجل فقال: أما ناشدتمونا، فإن هذا الرجل لا يعدل في القضية ولا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، فقوله لا يسير في السرية، يعني لا يخرج في الجهاد، ولا يقسم بالسوية إذا غنم ولا يعدل في القضية إذا حكم بين الناس، فاتهمه هذه التهم، فهي تهم ثلاث، فقال أما إن قلت كذا (المتحدث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه) ، فلأدعون عليك بثلاث دعوات، دعا عليه أن يطيل الله تعالى عمره وفقره ويعرضه للفتن، نسأل الله العافية، ثلاث دعوات عظيمة، لكنه رضي الله عنه استثنى، قال: إن كان عبدك هذا قام رياء وسمعة يعني لا بحق، فأجاب الله دعاءه، فكان هذا الرجل طويل العمر، عمر طويلاً وشاخ حتى إن حاجبيه سقطت على عينيه من الكبر، وكان فقيراً وعرض للفتن، حتى وهو في هذه الحال وهو كبير إلى هذا الحد كان يتعرض للجواري، يتعرض لهن في الأسواق ليغمزهن والعياذ بالله، وكان يقول عن نفسه شيخ مفتون كبير أصابتني دعوة سعد.
فهذه من الكرامات التي أكرم الله بها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وفيه فوائد عديدة منها: أن من تولى أمراً في الناس فإنه لا يسلم منهم مهما كانت منزلته، لابد أن يناله السوء قال ابن الوردي في منظومته المشهورة، التي أولها
اعتزل ذكر الأغاني والغزل ...
وقل الفصل وجانب من هذل
ودع الذكرى لأيام الصبى ...
فلأيام الصبى نجم أفل
قال فيها من جملة ما قال من حكم:

إن نصف الناس أعداء لمن ...
ولي الأحكام، هذا إن عدل
ومن الفوائد أيضاً في هذا الحديث جواز دعاء المظلوم على ظالمه بمثل ما ظلمه كما دعا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هذه الدعوات على من ظلمه، ومن فوائدها: أن الله تعالى يستجيب دعاء المظلوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ الزكاة من أموالهم، قال: إياك وكزائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب فالمظلوم يستجيب الله دعاءه حتى ولو كان كافراً فلو كان كافراً وظلم ودعا على من ظلمه أجاب الله دعاءه، لأن الله حكم عدل عز وجل، يأخذ بالإنصاف والعدل لمن كان مظلوماً ولو كان كافراً، فكيف إذا كان مسلماً؟ ومن فوائد هذا الحديث، أنه يجوز للإنسان أن يستثني في الدعاء، إذا دعا على شخص يستثني فيقول: اللهم إن كان كذا فافعل به كذا، اللهم إن كان ظلمني فأنصفني منه أو فابتله بكذا وكذا، تدعو بمثل ما ظلمك، وقد جاء الاستثناء في الدعاء في القرآن الكريم فقال تبارك وتعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادت بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين

ومن فوائد هذا الحديث أيضاً: حرص أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على الرعية وتحمله المسئولية والإحساس بها وشعوره بها رضي الله عنه ولهذا اشتهر بعدالته وحسن سياسته في الأمور كلها، الحربية والسلمية والدينية والدنيوية، فهو في الحقيقة خير الخلفاء بعد أبي بكر، بل حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن الذي ولاه على المسلمين هو أبو بكر رضي الله عنه، فالحاصل أن هذا الحديث فيه فوائد نقتصر منها على ذلك.
(والله الموفق)

الموضوع التالي


1506 - وعن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رضي الله عنه خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت متفق عليه. وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، وكانت قبرها.