1506 - وعن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، رضي الله عنه خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فاعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت متفق عليه. وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، وكانت قبرها.
 
من كرامات الأولياء أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوتهم، حتى يدركوها بأعينهم فهذا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، خاصمته امرأة ادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته عند مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئاً بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: وماذا سمعت؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من اقتطع شبراً من الأرض ظلمًا طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين - أو - طوقه يوم القيامة من سبع أرضين) يعني فكيف آخذ منها بعد أن سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم؟ كل مؤمن يؤمن بالله ورسوله إذا سمع مثل هذا الخبر الصادر عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فإنه لا يمكن أن يظلم أحداً من أرضه ولا شبراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنك لو أخذت شبراً من الأرض وقيده بالشبر من باب المبالغة وإلا فإن أخذ أقل من ذلك ولو سنتيمتر واحدًا فإنه يطوق به يوم القيامة من سبع أرضين، إذا كان يوم القيامة جاءت هذه القطعة التي أخذها مطوقة في عنقه من سبع أرضين؛ لأن الأرضين سبع طباق، كما قال الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن.
والإنسان إذا ملك أرضاً، ملك قعرها إلى أسفل السافلين، إلى الأرض السابعة، وإذا ملكها أيضاً ملك هواءها إلى الثريا، لا أحد يستطيع

أن يبني فوقه جسراً أو أن يحفر تحته خندقًا، لأن الأرض له إلى أسفل السافلين، وإلى أعلى السماء، كلها له، إذا كان يوم القيامة وهذا قد اقتطع شبراً من الأرض بغير حق، فإنه يأتي يوم القيامة مطوق به عنقه نسأل الله العافية.
وعند جميع العالم كل شيء محشور يوم القيامة حتى الوحوش تحشر حتى الإبل حتى البقر حتى الغنم كلها تحشر يوم القيامة، وهذا يشاهد حاملاً هذه الأرض والعياذ بالله من سبع أرضين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله من غير منار الأرض) غير منارها: أي غير مراسيمها فأدخل شيئاً ليس له، وفي هذا دليل على أن قصف الأرض أو أخذ شيء بغير الحق من كبائر الذنوب لأن عليه هذا الويل العظيم، اللعن وأنه يحمل به يوم القيامة، فما بالك بقوم اليوم يأخذون أميالاً بل أميال الأميال والعياذ بالله بغير الحق، يأخذونها يضيقون بها مراعي المسلمين، ويحرمون المسلمين من مراعيهم أو من طرقهم أو ما أشبه ذلك، هؤلاء سوف يطوقون ما أخذوا يوم القيامة والعياذ بالله، لأنهم أخذوها بغير الحق، المراعي للمسلمين عموماً، الخطوط الطرقات للمسلمين عمومًا، الأودية أودية الأمطار للمسلمين عموماً، ولهذا قال العلماء: إن الإنسان لا يملك بالأحياء ما قرب من عامر وهو يتعلق بمصلحة هذا العامر، حتى لو أحياها وغرسها يقلع غرسه ويهدم بناؤه إذا كان هذا يتعلق بمصالح البلد، والبلد ليست ملكاً لفلان أو علان بل هي لعموم المسلمين، حتى لو فرضنا أن ولي الأمر أقطع

هذا الرجل من الأرض التي يحتاجها أهل البلد فإنه لا يملكها بذلك لأن ولي الأمر إنما يفعل لمصالح المسلمين، لا يخص أحدًا بمصالح المسلمين دون أحد، وهذه المسألة خطيرة للغاية، ولهذا لما ارتفعت قيم الأراضي صار الناس والعياذ بالله يعتدي بعضهم على بعض، يدعي أن الأرض له وهي ليست له يكون جاراً لشخص ثم يدخل شيئاً من أرضه إلى أرضه، وهذا على خطر عظيم إن العلماء - أقول لكم كلامًا تعجبون منه قالوا: لو أن الإنسان بني جدارًا ثم زاد في لياصته (المحارة) إذا زاد في لياصته دخل على السور سنتيمترًا في اللياصة فإنه يكون ظالمًا ويكون بذلك معاقبًا عند الله يوم القيامة، إلى هذا الحد الناس الآن والعياذ بالله يبلعون أميالاً أو أمتارا مع هذا الوعيد الشديد، سعيد بن زيد رضي الله عنه، لما حدث مروان بهذا الحديث قال الآن لا أطلب عليك بينة، لأنه عارف أن سعيدًا لا يمكن أبدًا أن يأخذ من أرض هذه المرأة بدون حق أما المرأة؟ فقال سعيد رضي الله عنه: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها وأهلكها في أرضها، فماذا كان، كانت هذه المرأة أعماها الله عز وجل قبل أن تموت وبينما هي تمشي في أرضها ذات يوم إذ سقطت في بئر فماتت فكانت البئر قبرها في نفس الأرض التي كانت تخاصم سعيد بن زيد رضي الله عنه فيها، وهذا من كرامة الله عز وجل لسعيد بن زيد أن الله أجاب دعوته وشاهدها حيا قبل أن يموت، وقد سبق لنا أن المظلوم تجاب دعوته ولو كان كافراً إذا كان مظلوماً، لأن الله تعالى ينتصر للمظلوم من الظالم؛ لأن الله تعالى حكم عدل لا يظلم ولا يمكن أحدًا من الظلم وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم إنه لا يفلح الظالمون

فالظالم لا يفلح أبدًا، ولذلك انظر إلى هذه القصة وإلى قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه التي ذكرناها سابقاً وكيف أجاب الله الدعوة؟ وهذه هي عادة الله سبحانه وتعالى في عباده نسأل الله أن يحمينا وإياكم من الظلم (والله الموفق)

الموضوع السابق


1505 - وعن جابر بن سمرة، رضي الله عنهما. قال: شكا أهل الكوفة سعداً، يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي. فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً - أو رجالاً - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول، شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن متفق عليه.