قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وقال تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
 
قد سبق الكلام عن الآية الأولى ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} .
(لا تقف) يعني: لا تتبع ما ليس بك به علم، وهذا النهي يشمل كل شيء، كل شيء ليس لك به علم فلا تتبعه أعرض عنه ولا تتكلم فيه لأنك على خطأ، وهذا إذا كان بالنسبة لما تنسبه إلى الله ورسوله كان محرمًا من أشد المحرمات إثما، إذا قلت مثلاً: قال الله تعالى كذا وكذا والله لم يقله، أو تفسر الآية بما تهواه لا بما تدل عليه الآية، فقد قلت على الله ما لا تعلمه، ولهذا سيأتي

الحديث: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ولا يحل لأحد أن يفسر آية من كتاب الله وهو لا يعلم معناها، وإنما يفسرها بالظن والتخمين؛ لأن الأمر خطير؛ لأنك إذا فسرت آية إلى معنى من المعاني فقد شهدت على الله إنه أراد كذا وكذا وهذا خطر عظيم، ولهذا يجب على الإنسان التحرز من التسرع فيما ليس له به علم بالنسبة للأحكام الشرعية، وكذلك غيرها ولكن هي أشد، وقد قرن الله تعالى القول عليه بلا علم، قرنه بالشرك، فقال تعالى: {إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا على ما الله لا تعلمون} وكذلك إذا قفوت ما ليس لك به علم بالنسبة للآدميين (بني آدم) ؛ بأن تنقل عن شخص أنه قال كذا وكذا وهو لم يقله، حتى لو قيل لك: إنه قال كذا وكذا، فلا تعتمد على هذا حتى تتيقن، لاسيما إذا كثر القول بين الناس في الأمور، فإن يجب التحرز أكثر؛ لأن الناس إذا كثر فيهم القول والقيل والقال فإنهم يبنون من الحبة قبة، ومن الكلمة كلمات ولا يتحرزون في النقل ولهذا يسمع لإنسان أنه ينقل عنه أو عن غيره ما ليس بصحيح إطلاقاً؛ لأن الناس مع القول والقيل والقال يكون لهم هوى، والعياذ بالله، فيقولون ما لا يعلمون.
ثم ذكر الآية الثالثة وهي قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} المؤلف رحمه الله لم يسق إلا هذه الثالثة، وليته ساق الآيات كلها لكان

أحسن، فالله تعالى يخبر أنه خلق الإنسان، وهذا أمر معلوم بالضرورة والفطرة، فالله وحده هو الخالق والخالق يعلم من خلق كما قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فهو جل وعلا يعلم بأحوالنا ونياتنا ومستقبلنا وكل ما يتعلق بنا، ولهذا قال: {ونعلم ما توسوس به نفسه} الشيء الذي تحدث به نفسك يعلمه الله قبل أن نتكلم، ولكن هل يؤاخذك به، في هذا تفصيل، إن ركنت إليه وأثبته في قلبك عقيدة، فإن الله يؤاخذك به، وإلا فلا شيء عليك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فمثلاً لو أن إنسان صار يوسوس ويفكر؛ هل يطلق زوجته أو لا ومثل هذا كثير بين الناس، فإنها لا تطلق حتى ولو عزم على أن يطلقها فإنها لا تطلق إلا بالقول أو بالكتابة الدالة على القول أو بالإشارة الدالة على القول؛ لأن الله تجاوز عن هذا الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} فإن الله تعالى وكل بالإنسان ملكين يلازمانه، أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال، عن اليمين وعن الشمال يلازمانه دائما ويكتبان عليه كل ما نطق به وكل ما فعل ولهذا قال: {ما يلفظ من قول إلا ليه رقيب عتيد} (ومن) هنا زائدة للتوكيد، يعني ما يلفظ قولاً من الأقوال أي قول كان، إلا لديه رقيب عتيد؛ (رقيب) أي مراقب (عتيد) أي حاضر لا

يتركه، وأنت الآن لو جعلت في جيبك مسجلاً يسجل ما تقول لوجدت العجب العجاب مما يصدر منك أحيانًا وأنت لا تفكر فيه، والرجل قد يتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، تهوي به في النار كذا وكذا خريفًا والعياذ بالله، (الرقيب) معناه المراقب الذي يراقبك (العتيد) الحاضر الذي لا يغيب عنك أي قول كان يكتب، ويذكر عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه دخل عليه أحد أصحابه وهو مريض، يئن من المرض، فقال له إن فلانًا من التابعين يقول عن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك رحمه الله عن الأنين خوفًا من أن يكتب عليه، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يقلل من الكلام ما استطاع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت (فليقل خيرًا) أي كلام فيه الخير، إما لأنه خير بذاته، وإما أنه خير لما يؤدي إليه من الألفة بين الجلساء والمحبة؛ لأنك إذا حضرت مجلسًا مثلاً ولم تتكلم فيه لم يستحب الناس الجلوس معك، لكن إذا انطلقت في الكلام المباح من أجل أن تتألفهم وتتودد إليهم فهذا خير.
تأخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: فليقل خيرًا أو ليصمت والمهم أن من جملة الأقوال التي تكتب الغيبة، فاحذر أن تكتب عليك؛ لأنك إذا اغتبت أحدًا فإنه يوم القيامة يأخذ من حسناتك التي هي أغلى ما يكون عندك في ذلك الوقت، فإن بقي من حسناتك شيء، وإلا أخذ من سيئات الذين اغتبتهم وطرح عليك ثم طرحت في النار.
والله الموفق

الموضوع التالي


باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء. 1511 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت متفق عليه. وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم. 1512 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.