1531 - عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟ متفق عليه. احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب. 1532 - وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئاً رواه البخاري. قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين. 1533 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه متفق عليه. وفي رواية لمسلم: وأما أبو الجهم فضراب للنساء وهو تفسير لرواية: لا يضع العصا عن عاتقه وقيل: معناه: كثير الأسفار. 1534 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فاجتهد يمينه: ما فعل؟ فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليستغفروا لهم فلووا رؤوسهم متفق عليه.
 
تقدم أن النووي رحمه الله ذكر باباً في بيان ما يجوز من الغيبة وذكر لذلك أحاديث فمنها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه رجل، يعني ليدخل بيته فقال ائذنوا له، بئس أخو العشيرة وفي لفظ بئس ابن العشيرة وكان هذا الرجل من أهل الفساد والغي، فدل هذا على جواز غيبة من كان من أهل الفساد والغي وذلك من أجل أن يحذر الناس فساده حتى لا يغتروا فيه فإذا رأيت شخصًا ذا فساد وغي لكنه قد سحر الناس ببيانه وكلامه يأخذ الناس منه ويظنون أنه على خير، فإنه يجب عليك أن تبين أن هذا الرجل لا خير فيه وأن تثني عليه شرًا؛ لأجل ألا يغتر الناس به، كم من إنسان طليق اللسان فصيح البيان إذا رأيته يعجبك جسمه وإن يقول تسمع لقوله، ولكنه لا خير فيه، فالواجب بيان حاله، كذلك أيضاً ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة أيضاً قال ما أظن أن فلانًا وفلانًا يعرفان من دينناً شيء وكانا من المنافقين فأثنى عليهما شرًا وأنهما لا يعرفان من الدين شيئاً، لأن المنافق لا يعرف من دين الله شيئاً في قلبه وإن كان يعرف بأذنه، لكن لا يعرف بقلبه والعياذ بالله، فهو منافق يظهر أنه مسلم ولكنه كافر، قال الله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

وذكر أيضًا حديث فاطمة بنت قيس في المشورة أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه خطبها ثلاثة من الرجال معاوية بن أبي سفيان، وأبي الجهم، وأسامة بن زيد، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فصعلوك لا مال له؛ لكنه رضي الله عنه بقي حتى صار خليفة للمسلمين؛ لكنه في ذلك الوقت فقير.
قال: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء.
وفي رواية: أنه لا يضع العصا عن عاتقه، وهما بمعنى واحد، يعني أنه سيئ العشرة مع النساء يضربهن والمرأة لا يجوز ضربها إلا لسبب بينه الله في قوله: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} أما أن تكون تضرب امرأتك كلما خالفت أية مخالفة فهذا غلط ولا يحل لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} لكن إذا خفت نشوزها وترفعها عليك وعدم قيامها بواجبك فاستعمل معها هذه الرتب: أولا عظها خوفها بالله، بين لها أن حق الزوج لا يجب تضيعه، فإن استقامت فهذا المطلوب وإلا فالرتبة الثانية اهجرها في المضجع، لا تنام معها أما الكلام فلا تهجرها، لكن لك رخصة أن تهجرها في الكلام ثلاثة أيام؛ لأنه لا يحل أن يهجر أخاه فوق ثلاثة يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام الرتبة الثالثة إذا لم يشري بها هذا فاضربوهن، لكن ضربًا غير مبرح، يعني

ليس شديدًا، بل ضرب يحصل به التأديب فقط وفي لفظ أنه لا يضع العصا عن عاتقه وهما بمعنى واحد وقيل إن معنى قوله أنه لا يضع العصا عن عاتقه أنه كثير الأسفار، لأن صاحب السفر في ذلك الوقت، يسافر بالإبل ويحتاج العصا، والظاهر أن المعنى واحد يعني ضراب للنساء ولا يضع العصا عن عاتقه بمعنى واحد، لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا، ثم قال أنكحي أسامة بن زيد بن الحارثة فنكحته فاغتطبت به ورأت فيه خيرًا، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا جاء يستشيرك في شخص فذكرت عيوبه فلا بأس؛ لأن هذا من باب النصيحة وليس من باب الفضيحة، وفرق بين من يغتاب الناس ليظهر مساوئهم ويكشف عوراتهم وبين إنسان يتكلم بالنصيحة.
أما الحديث الرابع فهو حديث زيد بن الأرقم رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان معه المؤمنون والمنافقون فأصاب الناس شدة، فتكلم المنافقون وقالوا {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} يعني: لا تعطوهم شيئاً من النفقة حتى يجوعوا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا، المؤمنون لا يمكن أن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم لو ماتوا جوعًا وظمأ ما تركوه، لكن هذا هي حال المنافقين الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات إذا أعطوا رضوا وإذا لم يعطوا فإذا هم يسخطون، أما المؤمنون فلن يتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى هنا للتعليل وليست للغاية لأجل أن ينفضوا عنه، ولكن كذبوا في ذلك وقالوا أيضًا

{لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} ويعني بالأعز نفسه وقومه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك زيد بن الأرقم رضي الله عنه فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأن عبد الله بن أبي قال هذا الكلام، فأرس إليه النبي صلى الله عليه وسلم - أي عبد الله بن أبي -، فاجتهد يمينه أنه لم يقل هذا، يعني حلف وأقسم واشتد في القسم أنه ما قال ذلك؛ لأن المنافقين هذا دأبهم، يحلفون علي الكذب وهم يعلمون فأقسم أنه ما قال ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويترك سريرتهم إلى الله، فلما بلغ ذلك زيد بن الأرقم اشتد عليه الأمر؛ لأن الرجل حلف وأقسم عند الرسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهد يمينه في ذلك فاشتد هذا على زيد بن الأرقم، فقال: كذب زيد بن الأرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أخبره بالكذب حتى أنزل الله تصديق زيد بن الأرقم في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} وتأمل جواب الله عز وجل لقول عبد الله بن أبي [ليخرجن الأعز منها الأذل] حيث قال: {ولله العزة ولرسوله} ولم يقل إن الله هو الأعز لأنه لو قال هو الأعز لصار في ذلك دليل على أن المنافقين لهم العزة، وهم لا عزة لهم، بل قال {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} في هذه الآية دليل على أنه لا بأس أن الإنسان ينقل كلام المنافق إلى ولي

الأمر حتى يتخذ فيه ما ينبغي اتخاذه، وكذلك ينقل كلام المفسد إلى ولي الأمر حتى لا يتمادى في إفساده، وإذا كان الإنسان يخشى من الكلام أن يحصل فيه فساد وجب عليه أن يبلغه إلى ولي الأمر حتى يقضي على الفساد قبل أن يستشفي، لا يقال: أخشى أن ولي الأمر يفعل بي أو يفعل فيه لا قد يفعل فيه هو الذي جنى على نفسه إذا كان يتكلم بكلام يخشى منه الفساد، فالواجب رفع الكلام إلى ولي الأمر، لكن لابد من التثبت وألا يقع الإنسان في حرج، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما أنكر عبد الله بن أبي ما قيل عنه نزل الوحي بتصديق زيد بن الأرقم في وقتنا لا يوجد وحي يؤيد أو يفند فأنت إذًا تثبت وسمعت من بعض كلامًا يؤدي إلى الشر والفساد وجب عليك أن تبلغ به ولي الأمر حتى لا يستشفي الشر والفساد، فالمهم أن المؤلف رحمه الله ذكر مسائل وضوابط لما يجوز من الغيبة، ثم ذكر أدلة ذلك والله الموفق

الموضوع السابق


باب ما يباح من الغيبة اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه بها وهو ستة أسباب: - الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجوا قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا. الثالث: الاستفتاء: فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى. الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة. ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو محاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة. ومنها إذا أراد متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك. ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بألا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستدل به. الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره، من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج والأصم، والأعمى والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه.