1535 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه.
 
وأما البخل بما يزيد فهذا حرام لا يجوز، ومن وقع عليه ذلك فله أن يتظلم إلى شخص يمكن أن يأخذ الحق له، فهذه هند تظلمت عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل لها لا تقولي رجل شحيح، أقرها على ذلك لأنها تطلب حقها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف فأذن لها أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي ولدها، ولكن بالمعروف، يعني لا تزيد على ذلك، فدل هذا على مسائل: أولاً: جواز غيبة الإنسان للتظلم منه، لكن بشرط أن يكون ذلك عند من يمكنه أخذ الحق لصاحبه، وأما إذا لم يكن كذلك فلا فائدة من التظلم، ومنها أنه يجب على الإنسان أن ينفق على أهله على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرس، وقد شرط على الزوج تمكينها من تدريسها فإنه لا حق له فيما تأخذه من راتب لا نصف ولا أكثر ولا أقل، الراتب لها مادام قد شرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها أي من راتبها شيئاً، هو لها، أما إذا لم يشترط عليه أن يمكنها من التدريس، ثم لما تزوج قال لا تدرسي، فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني مثلاً له أن يقول: أمكنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه أو ثلاثة أرباعه أو ربعه وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شرط عليه أن تدرس وقبل فليس

له الحق أن يمنعها وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً ومن فوائد هذا الحديث أيضاً أنه يجوز لمن له النفقة على شخص وامتنع من عليه النفقة من بذل النفقة، أن يأخذ من ماله بقدر النفقة سواء علم أم لم يعلم، وسواء أذن أم لم يأذن فللمرأة مثلاً أن تأخذ من جيب زوجها ما يكفيها ويكفي أولادها، وكذلك أيضًا تأخذ من شنطته أو صندوقه ما يكفيها ويكفي أولادها سواء علم أم لم يعلم، فإن قال قائل: إذا كان لي حق على إنسان وجحد وأنكر وقدرت على أخذ شيء من ماله، فهل يجوز أن آخذ مقدار حقي من ماله؟ يعني مثلاً إنسان عنده لي مائة ريال وجحد قال: ما لك عندي شيء فهل إذا قدرت على شيء من ماله يجوز أن أخذ من ماله مائة ريال؟ الجواب لا، لا يجوز، والفرق بين هذا وبين النفقة أن النفقة لإنقاذ النفس وسببها ظاهر، كلنا يعرف أن هذه زوجة فلان وأن الزوجة لها نفقة، بخلاف الدين فإنه أمر خفي لا يقال عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أدي الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك.
فهذا هو القول الراجح في هذه المسألة، ويعبر عنها عند العلماء بمسألة الظفر، يعني من ظفر بمال من له حق عليه هل يأخذ منه أم لا؟ والجواب بالتفصيل أنه إذا كان في مقابل النفقة الواجبة فلا بأس وأما إذا كان في مقابل دين واجب، فإنه لا يجوز لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تخن من خانك.
والله الموفق

الموضوع التالي


باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} وقال تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} 1536 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام متفق عليه. 1537 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير: أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله متفق عليه، وهذا لفظ إحدى روايات البخاري. قال العلماء: معنى: وما يعذبان في كبير أي كبير في زعمهما وقيل: كبير تركه عليهما.

الموضوع السابق


1531 - عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟ متفق عليه. احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب. 1532 - وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئاً رواه البخاري. قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين. 1533 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه متفق عليه. وفي رواية لمسلم: وأما أبو الجهم فضراب للنساء وهو تفسير لرواية: لا يضع العصا عن عاتقه وقيل: معناه: كثير الأسفار. 1534 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فاجتهد يمينه: ما فعل؟ فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليستغفروا لهم فلووا رؤوسهم متفق عليه.