باب ذم ذي الوجهين قال الله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا} 1540 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه متفق عليه. 1541 - وعن محمد بن زيد أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم قال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
 
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب ذم ذي الوجهين: ذو الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، كما يفعل المنافقون وإذا لقوا الذين

آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون وهذا يوجد في كثير من الناس والعياذ بالله وهو شعبة من النفاق، تجده يأتي إليك يتملق ويثني عليك وربما يغلو في ذلك الثناء، ولكنه إذا كان من ورائك عقرك وذمك وشتمك وذكر فيك ما ليس فيك، فهذا والعياذ بالله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: تجدون شر الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وهذا من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف فاعله بأنه شر الناس، والواجب على الإنسان أن يكون صريحًا، لا يقول إلا ما في قلبه فإن كان خيرًا حمد عليه وإن كان سوى ذلك وجه إلى الخير، أما كونه يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، سواء كان فيما يتعلق بعبادته يظهر أنه عابد مؤمن تقي وهو بالعكس، أو فيما يتعلق بمعاملته مع الشخص؛ يظهر أنه ناصح له ويثني عليه ويمدحه ثم إذا غاب عنه عقره، فهذا لا يجوز.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله الآية الكريمة {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطًا} هذه الآية نزلت في قوم يخفون في أنفسهم ما لا يبدونه، يحدثون الناس بما ليس في قلوبهم، فإذا صاروا في الوحدة

واجتمعوا في الليل أظهروا ما في نفوسهم والعياذ بالله الذي كانوا أخفوه عن الناس من قبل، فيقول الله عز وجل: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا} ، ومثل ذلك أيضًا من يعمل المعصية خفاءًا ولا يعملها أمام الناس حياءً منهم وخجلاً، وأما الله فلا يستحي منه ولا يخجل والعياذ بالله، وهذا يدخل في الآية الكريمة.
وأما من عمل المعصية وندم وتاب فإنه لا يجوز له أن يحدث الناس بما فعل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرون.
والمجاهر هو الذي إذا فعل المعصية حدث بها، فالواجب على الإنسان أن يكون صريحًا، ظاهره كباطنه، وهو إذا كان صريحًا إن كان على خير ثبته أهل الخير عليه واستمر، وإن كان على خلاف ذلك بينوا له ما عليه من الشر حتى يرتدع، نسأل الله تعالى أن يجعل بواطننا خيرًا من ظواهرنا وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى، إنه على كل شيء قدير.