باب بيان تغليظ تحريم شهادة الزور قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} ، وقال تعالى: {لا تقف ما ليس لك به علم} ، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ، وقال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} 1550 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت متفق عليه.
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه (رياض الصالحين) باب تغليظ تحريم شهادة الزور، شهادة الزور أن يشهد بما يعلم أن الأمر بخلافة، أو يشهد بما لا يعلم أن الأمر بخلافه أو بوفاقه، أو يشهد بما يعلم أن الأمر على وفاقه لكنه على صفة غير الواقع، هذه ثلاثة أحوال وكلها حرام، لا يحل لإنسان أن يشهد إلا بما علم على الوجه الذي علمه، فإن شهد بما يعلم أن الأمر بخلافه مثل أن يشهد لفلان بأنه يطلب فلانا كذا وكذا وهو يعلم أنه كاذب، فإن هذا والعياذ بالله

شهادة زور، ومثل أن يشهد لفلان أنه فقير يستحق الزكاة وهو يعلم أنه غني، ومثل ما يفعله بعض الناس عند الحكومة يشهد بأن فلانا له عائلة عدد أفرادها كذا وكذا وهو يعلم أنه كاذب والأمثلة على هذا كثيرة ويظن هذا المسكين الذي شهد بشهادة الزور يظن أنه نافع لأخيه أنه بار به والواقع أنه ظالم لنفسه وظالم لأخيه، أما كونه ظالما لنفسه فظاهر، لأنه آثم وأتى كبيرة من كبائر الذنوب، وأما كونه ظالما لأخيه فلأنه أعطاه ما لا يستحقه وجعله يأخذ المال بالباطل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم كيف ننصر الظالم، قال: تمنعه من الظلم فذلك نصره فهؤلاء الذين يشهدون بالزور والعياذ بالله يظنون أنهم ينفعون إخوانهم وهم يضرون أنفسهم وإخوانهم.
ثم استشهد المؤلف بآيات بعضها سبق قريبا وبعضها لم يسبق فقال: قول الله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور وأول ما يدخل في قول الزور شهادة الزور، وقد جعل الله تعالى ذلك مع الرجس من الأوثان أي مع الشرك فدل هذا على عظم شهادة الزور، وقال الله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} يمدحهم وإذا كان هؤلاء مدحوا بعدم شهود الزور فأولى أن يمدحوا إذا لم يقولوا الزور، وإذا كان عدم شهادة الزور مدحا دل ذلك على أن شهادة الزور

أو القول بالزور قدح وضرر.
ثم ذكر حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ألا) أداة عرض استفتح بها النبي صلى الله عليه وسلم كلامة للتنبيه، تنبيه المخاطب إلى أمر ذي شأن، ولهذا قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال: الشرك بالله وهذا أعظم الظلم وأكبر الكبائر وأشد الذنوب عقوبة، لأن من يشرك بالله فإن الله قد حرم عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار.
والثاني عقوق الوالدين يعني قطع برهما، والوالدان هم الأب والأم، والواجب على الإنسان أن يبر بهما، وأن يخدمهما بقدر ما يستطيع وأن يطيعهما إلا ما فيه ضرر أو معصية لله عز وجل فإنه لا يطيعهما.
قال: وكان متكئا فجلس تعظيما لما سيقول قال: ألا وقول الزور وشهادة الزور وإنما عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمرها لكثرة الوقوع فيها وعدم اهتمام الناس بها فأرى الناس أن أمرها عظيم، كان يحدث عن الشرك وعقوق الوالدين وهو متكئ، ثم جلس اهتماما بالأمر: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها قال: حتى قلنا: ليته سكت.
وهذا دليل على عظم شهادة الزور وقول الزور وعلى الإنسان أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا لأنه يتضمن كما قلت ظلم نفسه وظلم من شهد له.
والله الموفق

الموضوع السابق


باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} 1547 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع رواه مسلم. 1548 - وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين رواه مسلم 1549 - وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور متفق عليه. المتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها هنا أنه يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة ولابس ثوبي زور أي: ذي زور وهو الذي يزور على الناس بأن يتزي بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة وقيل غير ذلك والله أعلم