باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وقال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة وأنه قال لعن الله آكل الربا وأنه لعن المصورين وأنه قال لعن الله من غير منار الأرض أي حدودها وأنه قال: لعن الله السارق يسرق البيضة وأنة قال: لعن الله من لعن والديه ولعن الله من ذبح لغير الله وأنه قال: من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وأنه قال: اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصوا الله ورسوله وهذه ثلاث قبائل من العرب وأنه قال: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وجميع هذه الألفاظ في الصحيح بعضها في صحيحي البخاري ومسلم وبعضها في أحدهما وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليها وسأذكر معظمها في أبواب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى:
 
لما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه (رياض الصالحين) تحريم لعن المعين وأنه لا يجوز أن تلعن شخصا معينا ولو كان كافرا مادام حيا لأنك لا تدري فلعل الله أن يهديه عز وجل فيعود إلى الإسلام إن كان مرتدا أو يسلم إن كان كافرا أصليا ذكر بعد ذلك رحمه الله بابا في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين لأن هناك فرقا بين المعين وبين العام فيجوز أن تلعن أصحاب المعاصي على سبيل العموم إذا كان ذلك لا يخص شخصا بعينة ثم استدل رحمه الله بآيات وأحاديث منها قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين وقوله {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} وعلى هذا فيجوز أن تقول: اللهم العن الظالمين على سبيل العموم ما هو شخص واحد معين فيشمل كل ظالم وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن

الواصلة والمستوصلة وهذا في النساء الواصلة التي تصل الشعر بشعر آخر حتى يرى شعرها وكأنه طويل أو كأنه ثخين يعني منتشر والمستوصلة التي تطلب من يصل هذا فهاتان امرأتان ملعونتان على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة لكن لو رأيت امرأة معينة تصل امرأة أخرى معينة تطلب من يصل شعر رأسها فلا يجوز أن تلعن هذه المعينة لا يجوز مثل أننا نشهد لكل من قتل شهيدا أنه في الجنة كذا عموما لكن لو قتل الإنسان في المعركة في جهاد في سبيل الله لا نقول هذا الرجل شهيد بعلم أو نشهد أنه في الجنة لأن الشهادة في الجنة لها شأن آخر وكذلك لعن المعين له شأن آخر وضرب المؤلف رحمه الله أمثلة لذلك منها:

لعن الله من غير منار الأرض يعني حدودها وذلك في الجيران إذا كان الإنسان مثلا له جار في الأرض فغير مراسم الحدود أدخل شيئا من أرض جاره إلى أرضه فهذا ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع كونه ملعونا والعياذ بالله سوف يكلف يوم القيامة بأن يحمل ما أدخل من أرض جاره يحمله على عنقه من سبع أرضين قال صلى الله عليه وسلم: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه يوم القيامة من سبع أرضيين نسأل الله العافية ونعوذ بالله من الخزي والعار يأتي يوم القيامة بين العالم يحمل ما أدخله من أراضي غيره من سبع أرضيين وكذلك أيضا لعن النبي صلى الله عليه وسلم من لعن والديه إذا إنسان قال لوالده لأمه أو لأبيه لعنك الله أو لعنك الله أو عليك لعنة الله فإنه مستحق للعنة الله لأن الوالدين حقهما البر والإحسان ولين القول

فإذا لعنهما والعياذ بالله استحق اللعنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله من لعن والديه فيجوز أن تقول اللهم العن من لعن والديه وكذلك المصورون فيمكن أن تقول اللهم العن كل مصور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وهكذا الأحاديث التي ذكرها المؤلف فيفرق بين العام والخاص العام لا يخص أحدا بعينه والخاص هو أن يخص أحدا بعينه فتخصيص أحد بعينه باللعن هذا حرام ولا يجوز أما على سبيل العموم فلا بأس ويأتي إن شاء الله الكلام على بقية الأحاديث التي مثل بها المؤلف
والله أعلم

الموضوع السابق


1554 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار رواه أبو داود والترمذي وقالا حديث حسن صحيح 1555 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء رواه الترمذي وقال حديث حسن. 1556 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا شمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها رواه أبو داود 1557 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد رواه مسلم 1558 - وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقالت: حل اللهم العنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة رواه مسلم قوله: حل بفتح الحاء المهملة، وإسكان اللام وهي كلمة لزجر الإبل واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان والله أعلم