باب النهي عن الافتخار والبغي قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} وقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} 1589 - وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد رواه مسلم. قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة. :
 
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: باب النهي عن الافتخار والبغي.
الافتخار: أن يتمدح الإنسان في نفسه ويفتخر بما أعطاه الله تعالى من نعمة، سواء نعمة الوالد أو المال أو العلم أو الجاه أو قوة البدن، أو ما أشبه ذلك، المهم أن يتمدح الإنسان بما أنعم الله عليه فخرا وعلوا على الناس، وأما التحدث بنعمة الله على وجه إظهار نعمة الله على العبد، مع التواضع فإن هذا لا بأس به، لقول الله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد أدم يوم القيامة

ولا فخر.
فقال: ولا فخر يعني لا أفتخر بذلك وأزهو بنفسي، وأما البغي فهو العدوان على الغير، أن الإنسان يعتدي على غيره إما على ماله أو على بدنه أو على أهله أو على مقامه وما أشبه ذلك، فالعدوان أنواعه كثيرة، لكن يضمها كلها أنه انتهاك لحرمة أخيه المسلم، وهذا أيضا محرم.
ثم استدل المؤلف بقول الله سبحانه وتعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} فنهى الله سبحانه وتعالى عباده أن يزكوا أنفسهم يعني أن يمدحوها افتخارا على الخلق، فيقول مثلا لصاحبه: أنا أعلم منك، أنا أكثر منك طاعة، أنا أكثر منك مالا.
وما أشبه ذلك، فهذا - نسأل الله العافية - تزكية للنفس ونوع من الافتخار ولا يعارضه قول الله تعالى: {قد أفلح من زكاها} وذلك أن التزكية المنهي عنها هي أن الإنسان يفتخر ويعلو ويزهو بما أعطاه الله تعالى من خير ومن عبادة ومن علم.
وأما: {قد أفلح من زكاها} فالمراد من سلك بها طريق الزكاة واجتنب طريق الردى، ولهذا قال: {وقد خاب من دساها} وهذه الآيات المتشابهات في القرآن يتخذ منها أهل الباطل حجة في التلبيس على الناس، يقول انظر إلى القرآن تارة يقول: {فلا تزكوا أنفسكم} وتارة يمدح من زكى نفسه، ولكن هؤلاء كما وصفهم الله تعالى هم الذي في قلوبهم زيغ والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات

هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} وإلا فالقرآن لا يمكن أبدا أن يكون فيه شيء متناقض، كما قال الله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} أما القرآن فلا اختلاف فيه، وقد أورد نافع بن الأزرق الخارجي المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما كثيرا من الآيات المتشابهات التي ظاهرها التعارض، وأجاب عنها رضي الله عنه في آيات متعددة ذكرها السيوطي في الإتقان في علوم القرآن.
ثم استدل على تحريم البغي بقول الله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق} السبيل: التبعة واللوم والمذمة على هؤلاء الذين يظلمون الناس في أموالهم أو أعراضهم أو في أنفسهم أو في أهليهم، هؤلاء هم الذين عليهم السبيل والتبعة {ويبغون في الأرض بغير الحق} يعني يعتدون بغير الحق، وإنما وصف الله البغي بغير حق، لأنه حقيقة ليس بحق، كل البغي فهو بغير الحق، فالقيد هنا ليس للاعتراض بل هو لبيان الواقع، وهو أن كل شيء من البغي فإنه بغير الحق، وهذا يرد في القرآن كثيرا، أن تجد قيدا يبين الواقع وليس قيدا يخرج ما سواه، مثل قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} فهنا ليس هناك رب لم يخلقنا ورب خلقنا بل هو لبيان الواقع أن الرب هو الذي خلقنا وهو

الذي رزقنا، فالحاصل أن الله تعالى بين أن السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ثم ذكر حديث عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلي أن لا يبغي أحد على أحد هذا الشاهد من الحديث، وهذا يدل على أن البغي أمر عظيم، فيه عناية من الله سبحانه وتعالى يبين لعباده أنه لا يبغي أحد على أحد وأن الإنسان يتواضع لله عز وجل، ويتواضع في الحق.
والله الموفق.

الموضوع السابق


باب النهي عن المن بالعطية ونحوها قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} 1588 - وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله، قال المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم. وفي رواية له: المسبل إزاره يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء. :