باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} 1600 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض متفق عليه. خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة، وبالشين المعجمة المكررة: وهي هوامها وحشراتها. 1601 - وعنه أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا متفق عليه. الغرض: بفتح الغين المعجمة، والراء وهو الهدف، والشيء الذي يرمى إليه. 1602 - وعن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم متفق عليه. ومعناه: تحبس للقتل. 1603 - وعن أبي علي سويد بن مقرن رضي الله عنه، قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن مالنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. رواه مسلم. وفي رواية: سابع إخوة لي:
 
هذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين النهي عن تعذيب الحيوان والولد والوالد ومن لك ولاية عليه، فإنه يحرم عليك أن تعذبه بضرب أو غيره إلا لسبب شرعي.

ثم استشهد بقول الله تعالى: وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا هؤلاء كلهم أصحاب الحقوق {وبالوالدين إحسانا} وهم أعظم البشر حقا عليك، الأم والأب {وبذي القربى واليتامى والمساكين} القربى يعني الأقارب من قبل الأم أو من قبل الأب، واليتامى: الصغار الذي مات آباؤهم {والمساكين والجار ذي القربى} المساكين هم الفقراء، والجار ذي القربى: الجار القريب، والجار الجنب: الجار البعيد، والصاحب بالجنب، قيل: هي الزوجة وقيل: هو الصاحب في السفر {وابن السبيل} المسافر الذي انقطع به السفر {وما ملكت أيمانكم} هذا الشاهد، أي: ما ملكت أيمانكم من الأرقاء والبهائم، فإن الإنسان مأمور بالإحسان إليهم إن كان من بني آدم أرقاء يطعمهم مما يطعم ويكسوهم مما يكتسي وينزلهم المنازل اللائقة بهم ولا يكلفهم ما لا يطيقون، ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، الهرة هي القطة، حبستها ولم تجعل عندها ماء ولم تجعل عندها طعاما حتى ماتت فدخلت النار بسبب هذه الهرة، وعذبت بها، والعياذ بالله، مع أنها هرة لا تساوي شيئا، لكنها أساءت إليها هذه الإساءة حبستها حتى ماتت جوعا.
وفهم من هذا الحديث أنها لو جعلت عندها طعاما وشرابا

يكفي فإن ذلك لا بأس به.
ومن هذا الطيور التي تحبس في الأقفاص، إذا وضع عندها الطعام والشراب ولم يقصر عليها وحفظها من الحر والبرد فلا بأس، وأما إذا قصر وماتت بسبب تقصيره فإنه يعذب بها، والعياذ بالله، كما عذبت هذه المرأة في الهرة التي حبستها، فدل ذلك على أنه يجب على الإنسان أن يحرص على ما ملكت يمينه من البهائم، والآدميون أولى وأحرى لأنهم أحق بالإكرام.
أما الحديث الثاني أن ابن عمر رضي الله عنهما مر بفتيان بقريش وقد جعلوا طائرا يرمون عليه، أيهم أشد إصابة، فلما رأوا عبد الله بن عمر رضي الله عنه تفرقوا هربا منه، ثم قال: ما هذا؟ فأخبروه، فقال: لعن الله من فعل هذا لعن الله من فعل هذا وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا.
وهذا لأنه يتألم إذ أن هذا يضربه على جناحه، وهذا يضربه على صدره، وهذا يضربه على ظهره، وهذا على رأسه فيتأذى، فلهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا.
أما بعد ما مات فقد مات لا يحس بشيء.
وكذلك الحديث الذي بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقتل الحيوان صبرا، ومعناه أن يحبس ثم يقتل، فإن هذا لا يجوز، وذلك لأنه إذا حبس كان مقدورا على ذبحه وتزكيته فلا يحل أن يرمى، ورميه إيلاما له من وجه وإضاعة لماليته من وجه آخر.
والله الموفق

الموضوع التالي


1604 - وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت اضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته وفي رواية: فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى فقال: أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار. رواه مسلم بهذه الروايات. 1605 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه رواه مسلم. 1606 - وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج، وفي رواية: حبسوا في الجزية. فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا. رواه مسلم. الأنباط: الفلاحون من العجم. 1607 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك؟ فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين رواه مسلم. الجاعرتان: ناحيتا الوركين حول الدبر. 1608 - وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه رواه مسلم. وفي رواية لمسلم أيضا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه. :

الموضوع السابق


باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} 1589 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث متفق عليه. ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك. ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد 1599 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه متفق عليه. :