باب تغليظ تحريم الربا قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات} إلى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا} وأما الأحاديث في الصحيح فهي مشهورة ومنها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله
 
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين باب تغليظ تحريم الربا الربا هو الزيادة أو التأخير لأنه إما زيادة في شيء على شيء وإما تأخير قبض وقد بين الله عز وجل في كتابه حكم الربا وذكر فيه من الوعيد وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حكم الربا وما فيه من الوعيد وبين النبي صلى الله عليه وسلم أين يكون الربا وكيف يكون فذكر أن الربا يكون في ستة أصناف الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح هذه ستة أشياء هي التي فيها الربا

إذا بعت شيئا بجنسه فلابد من أمرين التساوي والتقابض قبل التفرق بعت ذهبا بذهب لابد أن يكون سواء في الميزان وأن يكون القبض من الجانبين قبل التفرق بعت فضة بفضة لابد أن يكون سواء في الميزان وأن يكون القبض قبل التفرق من الجانبين بعت برا ببر لابد أن يكون سواء في المكيال وأن يكون القبض قبل التفرق من الجانبين بعت شعيرا بشعير لابد أن يكون سواء بالمكيال وأن يكون القبض قبل التفرق من الجانبين بعت تمرا بتمر لابد أن يكون سواء في المكيال وأن يكون القبض قبل التفرق من الجانبين بعت ملحا بملح لابد أن يكون سواء في المكيال وأن يكون القبض قبل التفرق هذا إذا بعت الشيء بجنسه من هذه الأصناف الستة وإن بعته بغير جنسه فلابد من التقابض قبل التفرق من الجانبين ولا يشترط التساوي فإذا بعت صاعا من البر بصاعين من الشعير فلا بأس لكن لابد من القبض قبل التفرق وإذا بغت صاعا من التمر بصاعين من الشعير فلا بأس لكن بشرط التقابض قبل التفرق وإذا بعت ذهبا بفضة فلا بأس بالزيادة أو النقص لكن لابد من القبض قبل التفرق هذه هي الأصناف الستة التي نص الرسول صلى الله عليه وسلم على جريان الربا فيها وكذلك ما كان بمعناها فإنه يكون له حكمها لأن هذه الشريعة الإسلامية لا تفرق بين شيئين متماثلين كما أنها لا تساوي بين شيئين مفترقين

أما حكم الربا فإنه من السبع الموبقات من كبائر الذنوب والعياذ بالله ومن تعاطى الربا ففيه شبه من اليهود أخبث عباد الله لأن اليهود هم الذين يأكلون السحت ويأكلون الربا فمن تعامل بالربا من هذه الأمة فإن فيه شبها من اليهود نسأل الله العافية أما الوعيد عليه فقال الله عز وجل الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس هذا حكمه {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} الشيطان يسلط على بني آدم نسأل الله السلامة إلا أن يمن الله عليه بالأذكار الشرعية التي تقيه من الشياطين مثل قراءة أية الكرسي في كل ليلة وغيرها مما هو معروف فالشيطان يسلط على بني آدم ويصرعه ويبقى الإنسان يبطش بيديه ويفرفش بيديه ورجليه ويتخبط هؤلاء أكلة الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس مجانين واختلف العلماء رحمهم الله هل المعنى لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا على هذا الوصف يعني يقومون من القبور كأنهم مجانين كأن يضربهم الشيطان بالمس أو المعنى لا يقومون للربا لأنهم يأكلون الربا وكأنهم مجانين من شدة طمعهم وجشعهم وشحهم لا يبالون فيكون هذا وصفا لهم في الدنيا والصحيح أن الآية إذا كانت تحتمل المعنيين فأنها تحمل عليهما جميعا يعني أنهم في الدنيا يتخبطون ويتصرفون تصرف الذي يتخبطه الشيطان من المس وفي الآخرة كذلك يقومون من قبورهم على هذا الوصف نسأل الله العافية

ثم قال عز وجل مبينا أن هؤلاء قاسوا قياسا فاسدا فقالوا: {إنما البيع مثل الربا} لا فرق كما أنك تبيع للرجل مثلا شاة بمائة ريال تبيع عليه درهم بدرهمين أي فرق فيقولون {إنما البيع مثل الربا} وقياسهم هذا كقياس الشيطان حين أمره الله أن يسجد لآدم فقال {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} فقابل النص بالقياس الفاسد هؤلاء أيضا قاسوا قياسا فاسدا فبين الله عز وجل أنه لا قياس مع الحكم الشرعي قال {وأحل الله البيع وحرم الربا} ولم يحل الله البيع ويحرم الربا إلا للفرق العظيم بينهما وأنهما ليسا سواء لكن من طمس الله قلبه رأى الباطل حقا والحق باطلا والعياذ بالله كما قال عز وجل فيمن طمس الله على قلبه {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} القرآن الكريم أساطير الأولين أعظم كلام وأبين كلام وأفصح كلام يقولون أساطير الأولين لماذا {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} إذا انطمس القلب والعياذ بالله رأى الباطل حقا ورأى الحق باطلا هؤلاء يقولون {إنما البيع مثل الربا} فقال الله {وأحل الله البيع وحرم الربا} ثم عرض الله عز وجل التوبة على هؤلاء الأكالين للربا كعادته جل وعلا يعرض التوبة على المذنبين لعلهم يتوبون إليه لأن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته كان رجل في البر معه راحلته عليها طعامه وشرابه

فضاعت منه ضاع الطعام والشراب وهو في فلاة من الأرض ليس عنده أحد طلبها ولم يجدها فاضطجع تحت شجرة ميت ينتظر أن يقبض الله روحه فبينما هو كذلك إذا بخطام الناقة متعلق بالشجرة وهو بين الحياة والموت فأخذ بالخطام وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك يريد أن يقول أنت ربي وأنا عبدك لكنه أخطأ من شدة الفرح قال النبي صلى الله عليه وسلم لله أشد فرحا بتوبة الإنسان من هذا الرجل براحلته مع أن هذا الفرح لا يمكن أن يدركه الإنسان الآن نحن لا نصف شدة هذا الفرح رجل مقبل على الموت فاقد ماله وطعامه وشرابه وناقته فإذا بها عنده لا يمكن أن يتصور إنسان شدة هذا الفرح فالله عز وجل أشد فرحا بتوبة العبد من هذا بناقته انظر ماذا قال هنا يقول جل وعلا {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} الحمد لله يعنى الأكال للربا إذا جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف يغفر له كل ما سلف ولا يؤاخذ عليه وأمره إلى الله ولكن إذا جاءت الموعظة وله ربا في ذمم الناس وجب عليه أن يسقطه يجب أن يسقطه لأن الله قال {فله ما سلف} أما ما بقي فليس له ولهذا أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أعلن إعلانا إلى يوم القيامة قال ربا الجاهلية موضوع يعني الربا الذي كانوا يترابون به في الجاهلية موضوع مهدر يوجد أقارب للرسول يرابون في الجاهلية يجب عليهم إسقاط الربا أو لا يجب يجب ولهذا قال أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب ما صلته بالعباس بن عبد المطلب العباس عمه أول

ربا أضع ربا العباس هكذا الحكم هكذا السلطان أول ما يبدأ السلطان بأقاربه خلاف عادة الناس اليوم أقارب السلطان عندهم حماية دبلوماسية يفعلون ما يشاءون لكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يقول أول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله تأكيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله وأقاربه وقال نهيت الناس عن كذا وكذا وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم والله لا يبلغني عن أحد منكم أنه فعله لأضعفن عليه العقوبة يعاقبه مرة ولا مرتين مرتين لأن هؤلاء الأقارب يخالفون متسترين أو لائذين بقربهم من الحاكم فيقول هذا القرب من الحاكم يوجب أن تضاعف عليكم العقوبة الله أكبر وبذلك ملكوا مشارق الأرض ومغاربها ودانت لهم الأمم الأمم ما يفعلون هكذا القريب من السلطان ليس عليه شيء لكن الأمة الإسلامية والخلافة الإسلامية أول من يقام عليه تنفيذ هذه الأحكام في من؟ في أقارب الحاكم حتى لا يقال الرجل حكم لأجل أن يقي أقاربه عقوبة الظالمين الحاصل أن الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه ورحمته ولطفه يعرض التوبة على المذنبين {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف} نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم وقال {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} القصة هذه في من في أصحاب الأخدود الذين حفروا حفرا في الأرض وأضرموا فيها النيران ومن كان مؤمن ألقوه في النار {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد}

يقول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} يعرض عليهم التوبة وهم يحرقون أولياءه لكنه عز وجل يحب التوابين {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم يقول عز وجل {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ} بعد أن تبين له الحكم {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هذه عقوبتهم في الآخرة أما العقوبة في الدنيا {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} يتلفه لكن التلف نوعان تلف حسي كأن يسلط على ماله آفة تفنيه إما أن يمرض ويحتاج إلى دواء ومعالجات أو يمرض أهله أو يسرق أو يحترق هذه عقوبة الدنيا {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} عقوبة حسية أو محق معنوي المال عنده يكيس أكياسا لكنه كالفقير لا ينتفع به هل يقال إن هذا عنده مال أبدا هذا أسوأ حالا من الفقير لأن ماله عنده بالأكياس يدخره لورثته أما هو فلم ينتفع به وهذا نسميه محقا حسيا أم معنويا محقا معنويا {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الموعظة التي تحيي قلوبنا وتصلح أحوالنا انتهى

الموضوع التالي


قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} إلى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}

الموضوع السابق


باب تأكيد تحريم مال اليتيم قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} وقال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} 1614 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات متفق عليه الموبقات المهلكات