باب كراهية الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات 1696 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم 1697 - وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا لا ردها الله عليك رواه الترمذي وقال حديث حسن 1698 - وعن بريدة رضي الله عنه أن رجلا نشد في المسجد فقال من دعا إلي الجمل الأحمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له رواه مسلم 1699 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه ضالة أو ينشد فيه شعر رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن 1700 - وعن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال من أين أنتما فقالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري
 
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب كراهة رفع الأصوات في المساجد وإنشاد الضالة والبيع والشراء ونحو ذلك المساجد أضافها الله تعالى إلى نفسه فقال تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وأضافها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه في قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبين الله سبحانه وتعالى أن هذه المساجد بيوت يذكر فيها اسم الله عز وجل أذن الله أن ترفع وأنها محل التسبيح {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}

والمساجد بما أن الله أضافها إلى نفسه وأضافها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه وأذن الله أن ترفع لها حرمة ولها أحكام واحترام وتعظيم ومن ذلك أنه لا يحل للجنب أن يمكث فيه إلا بوضوء لأن الجنب قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب مادام على جنابته فالملائكة لا تدخل بيته وكذلك في المسجد إذا كان جنبا وبقى فيه يؤذي الملائكة لأنه يمنعهم من دخوله أو يتأذون إذا دخلوا ولهذا نقول من عليه جنابة فلا يدخل المسجد إلا أن يتوضأ واستثنينا الوضوء لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينامون في المسجد فتصيب أحدهم الجنابة فيقوم ويتوضأ ويرجع فينام وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ومنها أي من أحكام المساجد أن الإنسان إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لا يجلس حتى يصلي ركعتين في أي وقت دخل في الصباح في المساء في الليل في النهار عند طلوع الشمس عند غروبها في أي وقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد يجلس حتى يصلي ركعتين حتى إنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فجلس فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له هل صليت قال لا قال قم فصل ركعتين وتجوز

فيهما يعني أسرع من أجل أن يستمع إلى الخطبة وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أن تحية المسجد بالركعتين واجبة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل أن يصلي ركعتين ويشتغل بهما عن سماع الخطبة وسماع الخطبة واجب ولا يشتغل عن واجب إلا بما هو أوجب منه فلهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا دخل المسجد وهو على وضوء فجلس ولم يصل فهو آثم ونحن نقول هو عاص للرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه إذا دخل وجلس وهو على وضوء فإنه عاص للرسول صلى الله عليه وسلم لقوله لا يجلس حتى يصلي ركعتين ومن أحكام المساجد أنه لا يجوز بها البيع والشراء سواء كان قليلا أو كثيرا لا تبيع شيئا بقرش واحد فإن ذلك حرام عليك والبيع فاسد لا ينتقل فيه الثمن للبائع ولا المبيع للمشتري ويجب أن يرد كل واحد منهما للآخر ما أخذ منه سواء قل أو كثر حتى لو قال يا فلان عندك الحاجة الفلانية قال نعم قال أرسلي منها كذا وكذا إن قال له عندك رز قال نعم قال أرسل لنا منه كيسا وهو في المسجد فهذا حرام لأن هذا بيع وشراء فالبيع والشراء في المسجد بأي حال من الأحوال لا يجوز لو كانت معه عشرة ريالات وقال لآخر معي عشرة أعطني بها ورقة ذات خمس يعني ورقتين

فهذا لا يجوز لكن بعض العلماء قال يجوز إذا كان هناك حاجة مثل أن يقف عليك فقير يشحذ وليس معك إلا عشرة ريالات فقلت هذه عشرة أعطني تسعة لكي تتصدق عليه بريال بعض العلماء رخص في هذا لأن هذا صدقة لا يتوصل إليها إلا بهذا العمل ولا قصد كل منهما البيع والشراء فالبيع والشراء في المسجد حرام هذا بالنسبة للبائع والمشتري لكن بالنسبة للذي يسمع إنسانا يبيع ويشتري ماذا عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا له لا أربح الله تجارتك ادعوا عليه بأن الله يخسره ولا يربحه بأن الله لا يربح تجارته ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيه فإن المساجد لم تبن لهذا يحتمل أن هذه الكلمة يضيفها القائل إلى قوله ويحتمل أنها تعليل للحكم من النبي صلى الله عليه وسلم وأنها لا تقال لكن إذا كان في قولك إياها تطييب لقلبه فهذا قولها حسن يعني تقول لا أربح الله تجارتك فإن المساجد لم تبن لهذا يعني للبيع والشراء ما بنيت للبيع والشراء بنيت للصلاة والذكر وقراءة القرآن وطلب العلم وما أشبه هذا فإذا كان في قولك إن المساجد لم تبن لهذا تطييب لقلبه فقلها حتى لا يغضب عليك أنا إذا دعوت عليك فقد دعوت عليك لأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مطاع كأمر الله {وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فأقول لا أربح الله تجارتك فإن المساجد لم تبن لهذا حتى يطيب قلبه كذلك أيضا إنشاد الضالة يجيء رجل ويقول ضاع مني كذا مثل محفظة الدراهم

فهذا حرام لا يجوز حتى وإن غلب على أمرك أنه سرق في المسجد لا تقل هذا كيف أتوصل إلى هذا اجلس عند باب المسجد خارج المسجد وقل جزاكم الله خيرا ضاع مني كذا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك ندعو عليه بأن الله لا يردها عليه ولا يعثر عليها لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول من دعا إلى الجمل الفلاني قال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت لا وجدت بمعنى لا رده الله عليك فدعى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يجد جمله لماذا لأن المساجد لم تبن لهذا فإن أراد الإنسان أن ينشد ضالة لصاحبها يعني ليس ضائعا منه بل شيئا وجده في المسجد وجد المفاتيح قال من يريد هذه المفاتيح فهل هذا نشد ضالة يعني طلبها أو نشد عن صاحبها نشد عن صاحبها هذا أجازه بعض العلماء وقال لا بأس به لأن هذا إحسان وبعض العلماء كرهه وقال حتى هذه الحال يكره ولكن إذا كان يريد أن يتمم إحسانه يجلس عند باب المسجد ويقول من ضاع له المفتاح من ضاع له نقود من ضاع له كذا وكذا فالمهم أن المساجد يا إخواني يجب أن تحترم ولما سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رجلين يرفعان أصواتهما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة دعاهما وقال من أين أنتما كأنه

استغرب ما رآه أنهما غريبان قالا من أهل الطائف قال لو كنتما من أهل هذا البلد لأوجعتكما يعني أوجعتكما ضربا يعني ضربتكما حتى يوجعكما الضرب ترفعان أصواتكما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إنكار من عمر لكن هل قوله في مسجد النبي يعني احترام المسجد نفسه أو جميع المساجد الظاهر أن جميع المساجد مثل المسجد النبوي لأن هذا الاحترام احترام للمسجد من حيث هو مسجد وأما إنشاد الأشعار في المسجد الذي وردت الأحاديث النهي عنه والمراد بذلك الأشعار اللغو أو التي لا خير فيها أما الأشعار التي بها الخير فإنها جائزة كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولما سمعه ذات يوم عمر بن الخطاب كأنه أنكر عليه قال قد كنت أنشد في هذا المسجد وفيه من هو خير منك يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأشعار إن كان فيها خير ومصلحة فلا بأس بها كالأشعار التي تشجع على الطاعة وعلى الجهاد في سبيل الله إذا كان هناك جهاد وما أشبه ذلك فهذه تنشد وأما أشعار لا خير فيها فلا تنشد في المسجد والله أعلى وأعلم تنبيه إذا احتلم الإنسان وهو نائم في المسجد كفاه الوضوء لكن يغتسل إذا أراد أن يصلي

الموضوع التالي


باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره مما له رائحة كريهة عن دخول المسجد قبل زوال رائحته إلا لضرورة 1701 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا متفق عليه وفي رواية لمسلم مساجدنا 1702 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا متفق عليه 1703 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا متفق عليه وفي رواية لمسلم من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم 1704 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا رواه مسلم

الموضوع السابق


باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار 1693 - عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها متفق عليه والمراد بدفنها إذا كان المسجد ترابا أو رملا ونحوه فيواريها تحت ترابه قال أبو المحاسن الروياني في كتابه البحر وقيل المراد بدفنها إخراجها من المسجد أما إذا كان المسجد مبلطا أو مجصصا فدلكها عليه بمداسه أو بغيره كما يفعله كثير من الجهال فليس ذلك بدفن بل زيادة في الخطيئة وتكثير للقذر في المسجد وعلى من فعل ذلك أن يمسحه بعد ذلك بثوبه أو بيده أو غيره أو يغسله 1694 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكه متفق عليه 1695 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله تعالى وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم