مفهوم التفسير عند السلف و الخلف
 

التفسير علم من العلوم التي امتاز بها السلف و هم السابقون الأولون من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و و التابعين لهم من القرون المفضلة التي ازدهر فيها البيان.
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يزال أستاذ البشرية اذ ربى عليه الصلاة و السلام نخبة من الرجال امتازوا على غيرهم بمكارم الأخلاق .
كان الرعيل الأول من أولي الألباب الذين ألهمهم الله جل جلاله حب العلم و التعلم ، و كانت القلوب السليمة تتلقى من خير البرية صلى الله عليه و سلم التعاليم السماوية التي جعلها الله شفاء و رحمة للمؤمنين ، و كان المفردون المفلحون يذكرون الله كثيرا و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار .
كيف لا يتعلمون العلم و قد تعلموا في أول ما نزل على نبيهم ان اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم .
ولذا لم يكن الحياء يمنعهم من طرح المسائل العلمية بحثا عن الجواب و قد بين لهم عليه الصلاة و السلام الحلال و الحرام و قرأ عليهم القرأن الكريم و تلا عليهم قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء فأيقنوا أن لكل سؤال جواب فسألوا أهل الذكر اذ لم يعلموا فتعلموا و علموا.
هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ، ولا نزلت آيه من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه
كان القوم يتعلمون القرأن الكريم و يتدارسونه فيما بينهم ، كانوا من الراسخين في العلم يقفون عند المحكم و يتقون المتشابه ، يفسرون القرأن أية أية و لا يتجاوز أحدهم العشر أيات حتى يعلم مافيهن من العلم و العمل ، كانوا من العلماء العاملين رضوان الله عليهم أجمعين.
و في عصر التابعين ظهر أهل الز يغ فتصدى لهم رجال الحديث باقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه و سلم و انشغل الأئمة المجتهدين بتخريج الأحاديث و استنباط الأحكام فأدى بهم علم الإجتهاد الى تأصيل المذاهب الشرعية .
ثم ازدهرت الحضارة الإسلامية وكانت المدرسة في الإسلام تحتضن العلوم و كان للمسلمين الحظ الأوفر من النتاج العلمي ...
و بين عشية وضحاها ابتعد المسلمون عن المنهج الرباني و اشتغلوا بالملذات و نسوا حظا مما ذكروا به فحمل بعضهم على بعض ...
و اليوم نجد الخلف بدل دراسة كلام الله و رسوله صلى الله عليه و سلم و العلم النافع صاروا يدرسون كلام الناس ،فنجد النمام المحترف ينقل الخبر عن فلان و يحاول الجميع تأويل ما قال و يفترق الكل على مقال .
و لقد افترقت السبل و تغير الناس و استحكم فيهم ابليس وجنده الا ما رحم ربي ، فمن الناس من يعشق كلام المهرجين و يهوى حديث الساقطات و يتغنى به في كل حين ، و منهم من ادعى الثقافة و اتخذ الجدال و المراء سبيل ادراكها و اذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم و من الناس أصناف و أشكال ...
و لسنا هنا لنتحدث عن عيوب الناس و لكل عيوبه و نسأل الله لنا و لكم الستر و العافية في الدنيا و الأخرة ، انما نتحدث عن واقع الناس اليوم فقد خلا حديثهم اليوم من كلام رب العالمين و من العلم النافع ، و عندما تقرأ المكتوب و تسمع المرئي تجده تاويلات لا فائدة منها اذ لا تسمن و لا تغني من جوع.
و اذا أردنا أن نضع مقارنة بين هذا الجيل و ذاك نستطيع أن نقول بأن الزائغين من ما مضى انشغلوا بما عرف عندهم بعلم الكلام أما اليوم فقد انشغل الإمعة بأقوال بعض العباد يأولونها حسب أهوائهم و ما يبدو لبعضهم أنه صواب و أنى له أن يكون حتى نسي الكل مفهوم العلم و اشتغل بالترهات.
عندما نبحث في المكتبة العربية نجدها و لله الحمد أوفر بما ترك الأجداد من مداد و اذا ما نظرنا في زاوية ما استجد من العلوم لا نجد فيها معجما علميا باللغة العربية فضلا عن تأليف الكتب العلمية النافعة واذا ما أراد المثقف فينا أن يظهر محله من الإعراب استعلى على لغته و نسي أصله .
هكذا غاب القول الفصل و حل محله الهزل حتى صار الجميع مهزلة يرقص وفق نغمات الغير ، أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين .
كيف يمكن لأمة أن ترقى بغير العمل و قد قال تعالى : وقل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون.
و الذي نراه انما هو لهو و لعب ، و قد استحكمت فينا الشهوات و قد سرى البغض في العروق حتى سال الدم لأتفه الأسباب...و قد عادت الجاهلية الى عادتها الأولى و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.
يستطيع المرء أن يتكلم لكن لا خير في من لا يفيد و لا يستفيد ، فما فائدة أقوال تجعلنا نتأخر و لا نتقدم ، و التقدم هو تقديم المنفعة العامة و درء المضرات و التأخر هو الرسوب و عدم الحركة مع عدم المسؤولية و التخلي عن منافسة الأخرين في كل جميل و لقد قال تعالى : يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير.
التفسير المعاصر جله لغو و منكر من القول و زورا و تزوير للحقائق اذ صار المعروف منكرا و المنكر معروفا و سميت الأشياء بغير اسمها و خون الأمين و ائتمن الخائن ، لكن رغم كل هذا لا تزال طائفة من المصلحين ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها مصداقا لقول النبي صلى الله عليه و سلم :
أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره.

 

مواضيع الزاهد الورع

الموضوع التالي


لعبة رمي الكرات

الموضوع السابق


رسالة الى سفيه