تلاوة الحمين لقصيدة أبي العتاهية : كأنك قد جاورت أهل المقابر
 


كأنّــكَ قد جَـاوَرْتَ أهلَ المقابرِ     ُو الموتُ يابْـنَ الموتِ إن لم تُبادِرِ
تَسَمـَّعْ مِن الأيّامِ إنْ كُنـتَ سامعًا     فإنّـكَ فـيها بينَ نَــاهٍ وآمِـــرِ
ولاَ تَـرْمِِ بالأخبارِ منْ غيرِ خِبْرَةٍ     ولاَ تَحْمِـلِ الأخـبارَ عن كلِّ خاطِرِ
فكَم منْ عزيزٍ قـد رأيْنَا امتِنَاعَـهُ     فـدَارَتْ عليه بَعْـدُ احـدَى الدوائِرِ
وكم مَلِكٍ قـدْ رُكِّبَ التُّـرْبُ فوْقَهُ     عَهْدِي بـه في الأمـسِ فـوقَ مَنَابرِ
وكم دائرٍ يُعْنَـى بما ليس بمُدْركٍ     وكـم واردٍ بما ليـس عنه بصـادِرِ
ولم أَرَ كـالأمواتِ أبْعَـدَ شُقّــةً      على قُـرْبِهَا من دارِ جـارٍ مُـجَاوِرِ
لقد دَبَّـرَ الدنيا حَكـيمٌ مُـدَبّــرٌ     لطـيفٌ خــبيرٌ عـالمٌ بسـرائِـرِ
إذا أبْقَـتِ الدُّنيا على المرءِ دينَـهُ     فمــا فاتَـه منها فليـس بطــائِرِ
إذا أنـتَ لم تَزْدَدْ عـلى كلِّ نعمةٍ     خُصِصْـتَ بها شُكـرًا ولستَ بشاكرٍ
إذا أنت لم تُؤْثِـرْ رِضَا الله وحـدَه     على كلِّ ما تَهـْوَى فلَسْـتَ بصابِرِ
إذا أنتَ لم تَطْهُرْ من الجهلِ والخَنَا     فلستَ على نهرِ الفُـراتِ بطـاهِرِ
إذا لم تَكُـنْ للمـرءِ عندَكَ رَغْبَةٌ     فلستَ على مـا في يديـه بقـادِرِ
إذا كُنــتَ بالدنيا بَصـيرًا فإنّما     بلاؤُكَ منـها مثلَ زادِ مسـافِــرِ
وما الحكمُ إلاّ ما عليه ذوي النُّهَى     وما النّـاسُ إلاّ بينَ بَرٍّ وفـــاجِرِ
وما مِن صــباحٍ مرَّ إلاّ مُـؤدِّبًا     لأهلِ العـقولِ الثَّابتـاتِ البصـائِرِ
أراكَ تُسَاوِي بالأصاغر في الصِّبَا     وأنتَ كبـيرٌ من كِـبَارِ الأكَــابِرِ
كأنّكَ لم تَدْفِـنْ حَمِيمًا ولم تَكُـن     له في حِيـاضِ الموتِ يومًا بحاضِرِ
ولم أَرَ مـثلَ الموتِ أكثرَ ناسـيًا     تَـرَاهُ ولا أَولَـى بتِذْكَـارِ ذاكِــرِ
وإنّ امْـرَأً يَبْتَــاعُ دُنيا بِدِيـنِه     لمُنقَلِـبٌ منـها بِصَـفْقةِ خَــاسِـرِ
وكلّ امْـرِئٍ لم يرتـحلْ بتِجَارةٍ     إلى دارِهِ الأخــرَى فلـيسَ بتَاجِـرِ
رضِـيتُ بذي الدنـيا لكلِّ مُكَابِرِ     مُلِـحٍّ على الدنــيا وكــلِّ مُفَاخِـرِ
وما تَعْــدِلُ الدنيا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ     لتاللهِ أو مِقْــدَارَ زَغْــبَةِ طـــائِرِ
ولـمْ يَرْضَ بالدنيا ثوابًا لمُؤْمِـنٍ     ولم يَــرْضَ بالـدنيا عقـابًا لكَافِــرِ