عن أبي بكر بن عبد الرحمن أي ابن الحارث بن هشام المخزومي قاضي المدينة تابعي سمع عائشة وأبا هريرة روى عنه الشعبي والزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدرك ماله بعينه" لم يتغير بصفة لا بزيادة ولا نقصان "عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره" متفق عليه
 
عن أبي بكر بن عبد الرحمن أي ابن الحارث بن هشام المخزومي قاضي المدينة تابعي سمع عائشة وأبا هريرة روى عنه الشعبي والزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدرك ماله بعينه" لم يتغير بصفة لا بزيادة ولا نقصان "عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره" متفق عليه
هو لغة مصدر فلسته نسبته إلى الإفلاس الذي هو مصدر أفلس أي صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا والحجر لغة مصدر حجر أي منع وضيق وشرعا قول الحاكم للمديون حجرت عليك التصرف في مالك

ورواه أبو داود ومالك من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلا وقد وصله أبو داود من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش لأنها من روايته عن الشاميين وروايته عنهم صحيحة بلفظ أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء ووصله البيهقي وضعفه تبعا لأبي داود راجعنا سنن أبي داود فلم نجد فيها تضعيفا للرواية هذه بل قال في هذه الرواية بعد إخراجه لها من طريق مالك وحديث مالك
(3/53)
أصح يريد أنه أصح من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن التي ساقها أبو داود وفيها قال أبو بكر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن من توفي وعنده سلعة رجل بعينها لم يقض من ثمنها شيئا فصاحب السلعة أسوة الغرماء فيها" ولم يتكلم الشارح رحمه الله على هذا بشيء ورواه أبو داود وابن ماجة من رواية عمر بن خلدة بفتح الخاء المعجمة واللام ودال مهملة قال "أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به" وصححه الحاكم وضعفه أبو داود وضعف أيضا هذه الزيادة في ذكر الموت سكت عليه الشارح وقد راجعت سنن أبي داود فلم أجد فيها تضعيفا لرواية عمر بن خلدة بل قال البيهقي بعد رواية حديث أبي بكر بن عبد الرحمن المرسلة التي ساق لفظها المصنف هنا بلفظ أيما رجل إلى آخره أنه قال الشافعي رواية عمر بن خلدة أولى من رواية أبي بكر هذه قال لأنها موصولة جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين الموت والإفلاس قال وحديث ابن شهاب يريد به رواية أبي بكر بن عبد الرحمن المذكورة منقطع وساق في ذلك كلاما كثيرا يرجح به رواية عمر بن خلدة فلينظر هذا الحديث اشتمل على مسائل الأولى أنه إذا وجد البائع متاعه عند من شراه منه وقد أفلس فإنه أحق بمتاعه من سائر الغرماء فيأخذه إذا كان له غرماء وعموم قوله من أدرك ماله يعم من كان له مال عند الآخر بقرض أو بيع وإن كان قد وردت أحاديث مصرحة بلفظ البيع فقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما الحديث بلفظ "إذا ابتاع الرجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء" فقد عرف في الأصول أن الخاص الموافق للعام لا يخصص العام إلا عند أبي ثور وقد زيفوا ما ذهب إليه من ذلك ولذلك ذهب الشافعي وآخرون إلى أن المقرض أولى بماله في القرض كما أنه أولى به في البيع وذهب غيره إلى أنه يختص ذلك بالبيع للتصريح به في أحاديث الباب لكن قد عرفت أن ذلك لا يخص عموم حديث الباب المسألة الثانية أفاد قوله بعينه أنه إذا وجده وقد تغير بصفة من الصفات أو بزيادة أو نقصان فإنه ليس صاحبه أولى به بل يكون أسوة الغرماء وقد اختلف العلماء في ذلك فذهبت الهادوية و الشافعي إلى أنه إذا تغيرت صفته بعيب فللبائع أخذه ولا أرش له وإن تغير بزيادة كان للمشتري غرامة تلك الزيادة وهي ما انفق عليه حتى حصلت وكذلك الفوائد للمشتري ولو كانت متصلة لأنها إنما حدثت في ملكه ويلزم له قيمة ما لا حد لبقائه كالشجرة إذا غرسها وإبقاء ماله حد بلا أجرة كالزرع وكذلك إذا نقصت العين فله أخذ الباقي بحصته من الثمن يتناوله لأن الباقي مبيع باق بعينه. المسألة الثالثة دل لفظ أبي بكر بن عبد الرحمن المرسل أن البائع إذا كان قد قبض بعض الثمن فليس له حق في استرجاع المبيع بل يكون أسوة الغرماء وبهذا أخذ جمهور العلماء وعند الهادوية وهو راجح قولي الشافعي أنه لا يصير المبيع بقبض بعض ثمنه أسوة الغرماء بل البائع أولى به وكأن الشافعي ذهب إلى هذا لأنه لم يصح الحديث عنده بل قال إنه منقطع فمن قال بصحة الحديث وأنه موصول قال بما قاله
(3/54)

الجمهور ومن لا فلا وفي وصله وعدمه خلاف منهم من رجح إرساله وهم أكثر الحفاظ المسألة الرابعة قوله فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء فيه حذف تقديره فمتاع صاحب المتاع أسوة الغرماء وهذا دال على التفرقة بين الموت والإفلاس وإلى التفرقة بينهما ذهب مالك وأحمد عملا بهذه الرواية قالوا لأن الميت برئت ذمته وليس للغرماء محل يرجعون إليه فاستووا في ذلك بخلاف المفلس وسواء خلف الميت وفاء أو لا وذهب الهادوية إلى أنه إذا خلف وفاء فليس البائع أولى بمتاعه بل يسلم الورثة الثمن من التركة وحجتهم أنه قد ورد في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن زيادة لفظ إلا إن ترك صاحبها وفاء لكن قال الشافعي يحتمل أن الزيادة من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن وقرينة الاحتمال أن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة وذهب الشافعي إلى أنه لا فرق بين الموت والإفلاس وأن صاحب المتاع أولى بمتاعه عملا بعموم "من أدرك ماله عند رجل" الحديث متفق عليه قال ولا فرق بين الموت والإفلاس والتفرقة بينهما برواية أبي بكر بن عبد الرحمن وقوله فيها فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء غير صحيحة لأن الحديث مرسل لم يصح وصله فلا يعمل به بل في رواية عمر بن خلدة التسوية بين الموت والإفلاس وهو حديث حسن يحتج بمثله
باب التفليس والحجر