عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون"
 
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون"

قد قسم العلماء الصلح أقساما صلح المسلم مع الكافر والصلح بين الزوجين والصلح بين الفئة الباغية والعادلة والصلح بين المتقاضيين والصلح في الجراح كالعفو على مال
(3/58)

والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت في الأملاك والحقوق وهذا القسم هو المراد هنا وهو الذي يذكره الفقهاء في باب الصلح

وفي لفظ أبي داود "والمؤمنون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" رواه الترمذي وصححه وأنكروا عليه لأنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف كذبه الشافعي وتركه أحمد وفي الميزان عن ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وقال الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب واعتذر المصنف عن الترمذي بقوله وكأنه اعتبره بكثرة الإشارة وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة فيه مسألتان الأولى في أحكام الصلح وهو أن وضعه مشروط فيه المراضاة لقوله جائز أي أنه ليس بحكم لازم يقضى به وإن لم يرض به الخصم وهو جائز أيضا بين غير المسلمين من الكفار فتعتبر أحكام الصلح بينهم وإنما خص المسلمون بالذكر لأنهم المعتبرون في الخطاب المنقادون لأحكام السنة والكتاب وظاهره عموم صحة الصلح سواء كان قبل اتضاح الحق للخصم أو بعده ويدل للأول قصة الزبير والأنصاري فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قد أبان للزبير ما استحقه وأمره أن يأخذ بعض ما يستحقه على جهة الإصلاح فلما لم يقبل الأنصاري الصلح وطلب الحق أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير قدر ما يستحقه كذا قال الشارح والثابت أن هذا ليس من الصلح مع الإنكار بل من الصلح مع سكوت المدعى عليه وهي مسألة مستقلة وذلك لأن الزبير لم يكن عالما الفراش الذي له حتى يدعه بالصلح بل هذا أول التشريع في قدر السقيا والتحقيق أنه لا يكون الصلح إلا هكذا وأما بعد إبانة الحق للخصم فإنما يطلب من صاحب الحق أن يترك لخصمه بعض ما يستحق وإلى جواز الصلح على الإنكار ذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة عدا في ذلك الهادوية والشافعي وقالوا لا يصح الصلح مع الإنكار ومعنى عدم صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع إنكار المصالح وذلك حيث يدعي عليه آخر عينا أو دينا فيصالح ببعض العين أو الدين مع إنكار خصمه فإن الباقي لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه وقوله تعالى {عَنْ تَرَاضٍ} وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضا بالصلح وعقد الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة فيحل له ما بقي قلت الأولى أن يقال إن كان المدعي يعلم أن له حقا عند خصمه جاز له قبض ما صولح عليه وإن كان خصمه منكراً وإن كان يدعي باطلا فإنه يحرم عليه الدعوى وأخذ ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده حق يعلمه وإنما ينكر لغرض عليه تسليم ما صولح به عليه وإن كان يعلم أنه ليس عنده حق جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه وبهذا تجتمع الأدلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا يصح ولا أنه يصح على الإطلاق بل يفصل فيه المسألة الثانية
(3/59)

ما أفادها قوله والمسلمون على شروطهم أي ثابتون عليه واقفون عندها وفي تعديته بعلى ووصفهم بالإسلام أو الإيمان دلالة على علو مرتبتهم وأنهم لا يخلون بشروطهم وفيه دلالة على لزوم الشرط إذا شرطه المسلم إلا ما استثناه في الحديث وللمفرعين تفاصيل في الشروط وتقاسيم منها ما يصح ويلزم حكمه ومنها ما لا يصح ولا يلزم ومنها ما يصح ويلزم منه فساد العقد وهي هنالك مبسوطة بعلل ومناسبات وللبخاري في كتاب الشروط تفاصيل كثيرة معروفة وقوله "إلا شرطا حرم حلالا" ذلك كاشتراط البائع أن لا يطأ الأمة "أو أحل حراما" مثل أن يشترط وطء الأمة التي حرم الله عليها وطأها
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع" يروى بالرفع على الخبر والجزم على النهي "جار جاره أن يغرز خشبة" بالإفراد وفي لفظ "خشبه" بالجمع في جداره "ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم" بالتاء جمع كتف متفق عليه وفي لفظ لأبي داود فنكسوا رؤوسهم ولأحمد حين حدثهم بذلك فطأطأوا رؤوسهم والمراد المخاطبون وهذا قاله أبو هريرة أيام إمارته على المدينة في زمن مروان فإنه كان يستخلفه فيها فالمخاطبون ممن يجوز أنهم جاهلون بذلك وليسوا بصحابة وقد روى أحمد وعبد الرزاق من حديث ابن عباس "لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبة جاره" والحديث فيه دليل على أنه ليس للجار أن يمنع جاره من وضع خشبة على جداره وأنه إذا امتنع عن ذلك أجبر لأنه حق ثابت لجاره وإلى هذا ذهب أحمد وإسحاق وغيرهما عملا بالحديث وذهب إليه الشافعي في القديم وقضى به عمر في أيام وفور الصحابة وقال الشافعي إن عمر لم يخالفه أحد من الصحابة وهو فيما رواه مالك بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأله محمد بن مسلمة أن يسوق خليجا له فيجريه في أرض محمد بن مسلمة فامتنع فكلمه عمر في ذلك فأبى فقال والله ليمرن به ولو على بطنك وهذا نظير قصة حديث أبي هريرة وعممه عمر في كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من جاره وأرضه وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز أن يضع خشبة إلا بإذن جاره فإن لم يأذن لم يجز قالوا لأن أدلة أنه لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه تمنع هذا الحكم فهو للتنزيه وأجيب عنه بما قاله البيهقي لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها وقد حمله الراوي على ظاهره من التحريم وهو أعلم بالمراد بدليل قوله ما لي أراكم عنها معرضين فإنه استنكار لإعراضهم دال على أن ذلك للتحريم قال الخطابي معنى قوله بين أكتافكم إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين قال وأراد بذلك المبالغة قلت والذي يتبادر أن المراد لأرمين بها أي هذه السنة المأمور بها بينكم بلاغا لما تحملته منها وخروجا عن كتمها وإقامة الحجة عليكم بها