عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد فقال أشهد على طلاقها وعلى رجعتها
 
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد فقال أشهد على طلاقها وعلى رجعتها
رواه أبو داود هكذا موقوفا وسنده صحيح وأخرجه البيهقي بلفظ أن عمران بن حصين سئل عمن راجع امرأته ولم يشهد فقال راجع في غير سنة فليشهد الآن وزاد الطبراني في رواية ويستغفر الله دل الحديث على شرعية الرجعة والأصل فيها قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الآية وقد أجمع العلماء على أن الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة من غير اعتبار رضاها ورضا وليها إذا كان الطلاق بعد المسيس وكان الحكم بصحة الرجعة مجمعا عليه لا إذا كان مختلفا فيه والحديث دل على ما دلت عليه آية سورة الطلاق وهي قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} بعد ذكره الطلاق وظاهر الأمر وجوب الإشهاد وبه قال الشافعي في القديم وكأنه استقر مذهبه على عدم وجوبه فإنه قال المرزعي في تيسير البيان وقد اتفق الناس على أن الطلاق من غير إشهاد جائز وأما الرجعة فيحتمل أنها تكون في معنى الطلاق لأنها قرينته فلا يجب فيها الإشهاد لأنها حق للزوج ولا يجب عليه الإشهاد على قبضه ويحتمل أن يجب الإشهاد وهو ظاهر الخطاب انتهى والحديث يحتمل أنه قاله عمران اجتهادا إذ للاجتهاد فيه مسرح إلا أن قوله راجع في غير سنة قد يقال إن السنة إذا أطلقت في لسان الصحابي يراد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا إلا أنه لا يدل على الإيجاب لتردد كونه من سنته صلى الله عليه وسلم بين الإيجاب والندب والإشهاد على الرجعة ظاهر إذا كانت بالقول الصريح واتفقوا على الرجعة بالقول واختلف إذا كانت الرجعة بالفعل فقال الشافعي والإمام يحيى إن الفعل محرم فلا تحل به ولأنه تعالى ذكر الإشهاد ولا إشهاد إلا على القول وأجيب بأنه لا إ ثم عليه لأنه تعالى قال: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} وهي زوجة والإشهاد غير واجب كما سلف وقال الجمهور يصح بالفعل واختلفوا هل من شرط الفعل النية فقال مالك لا يصح بالفعل إلا مع النية كأنه يقول لعموم الأعمال بالنيات وقال الجمهور يصح لأنها زوجة شرعا داخلة تحت قوله إلا على أزواجهم ولا يشترط النية في لمس الزوجة وتقبيلها وغيرهما إجماعا واختلف هل يجب عليه إعلامها بأنه قد راجعها لئلا تتزوج غيره فذهب الجمهور من العلماء أنه يجب عليه وقيل لا يجب وتفرع من الخلاف لو تزوجت قبل علمها بأنه راجعها فقال الأولون النكاح باطل وهي لزوجها الذي ارتجعها واستدلوا بإجماع العلماء على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة وبأنهم أجمعوا أن الزوج الأول أحق بها قبل أن تزوج وعن مالك أنها للثاني دخل بها أو لم يدخل واستدل بما رواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال مضت السنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها ثم يكتمها رجعتها فتحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس له من أمرها شيء ولكنها لمن تزوجها إلا أنه قيل إنه لم يرو هذا إلا عن ابن شهاب فقط وهو
(3/182)

الزهري فيكون من قوله وليس بحجة ويشهد لكلام الجمهور حديث الترمذي عن سمرة بن جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة تزوجها اثنان فهي للأول منهما" فإنه صادق على هذه الصورة
واعلم أنه قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} في ذلك إن أرادا إصلاحا أي أحق بردهن في العدة بشرط أن يريد الزوج بردها الإصلاح وهو حسن العشرة والقيام بحقوق الزوجية فإن أراد بالرجعة غير ذلك كمن يراجع زوجته ليطلقها كما يفعله العامة فإنه يطلق ثم ينتقل من موضعه فيراجع ثم يطلق إرادة لبينونة المرأة فهذا المراجعة لم يرد بها إصلاحا ولا إقامة حدود الله فهي باطلة إذ الآية ظاهرة في أنه لا تباح له المراجعة ويكون أحق برد امرأته إلا بشرط إرادة الإصلاح وأي إرادة إصلاح في مراجعتها ليطلقها ومن قال إن قوله إن أرادوا إصلاحا ليس بشرط للرجعة فإنه قول مخالف لظاهر الآية بلا دليل