وعن سلمة بن صخر هو البياضي بفتح الموحدة وتخفيف المثناة التحتية وضاد معجمة أنصاري خزرجي كان أحد البكائين روى عنه سليمان بن يسار وابن المسيب قال البخاري لا يصح حديثه يعني هذا الذي في الظهار قال دخل رمضان فخفت أن أصيب امرأتي وفي الإرشاد قال إني كنت امرءا أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فظاهرت منها فانكشف لي شيء منها ليلة فوقعت عليها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرر رقبة" فقلت ما أملك إلا رقبتي قال: "فصم شهرين متتابعين" قلت وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال: "أطعم فرقا من تمر ستين مسكينا"
 
وعن سلمة بن صخر هو البياضي بفتح الموحدة وتخفيف المثناة التحتية وضاد معجمة أنصاري خزرجي كان أحد البكائين روى عنه سليمان بن يسار وابن المسيب قال البخاري لا يصح حديثه يعني هذا الذي في الظهار قال دخل رمضان فخفت أن أصيب امرأتي وفي الإرشاد قال إني كنت امرءا أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فظاهرت منها فانكشف لي شيء منها ليلة فوقعت عليها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرر رقبة" فقلت ما أملك إلا رقبتي قال: "فصم شهرين متتابعين" قلت وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال: "أطعم فرقا من تمر ستين مسكينا"
أخرجه أحمد والأربعة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع بين سليمان بن يسار وسلمة لأن سليمان لم يدرك سلمة حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي الحديث مسائل الأولى أنه دل على ما دلت عليه الآية من ترتيب خصال الكفارة والترتيب إجماع بين العلماء الثانية أنها أطلقت الرقبة في الآية وفي الحديث أيضا ولم تقيد بالإيمان كما قيدت به في آية القتل فاختلف العلماء في ذلك فذهب زيد بن علي وأبو حنيفة وغيرهما إلى عدم التقييد وأنها تجزئ رقبة ذمية وقالوا لا تقيد بما في آية القتل لاختلاف السبب وقد أشار الزمخشري إلى عدم اعتبار القياس لعدم الاشتراك في العلة فإن المناسبة أنه لما أخرج رقبة مؤمنة من صفة الحياة إلى الموت كان كفارته إدخال رقبة مؤمنة في حياة الحرية وإخراج عن الرقية فإن الرق يقتضي سلب التصرف عن المملوك فأشبه الموت الذي يقتضي سلب التصرف عن الميت فكان في إعتاقه إثبات التصرف فأشبه الإحياء الذي يقتضي إثبات التصرف للحي وذهبت الهادوية ومالك والشافعي إلى أنه لا يجزىء إعتاق رقبة كافرة وقالوا تقيد آية الظهار كما قيدت آية القتل وإن اختلف السبب قالوا وقد أيدت ذلك السنة فإنه لما جاءه صلى الله عليه وسلم السائل يستفتيه في عتق رقبة
(3/187)

كانت عليه سأل صلى الله عليه وسلم الجارية " أين الله؟" فقالت في السماء فقال: "من أنا؟" فقالت أنت رسول الله قال: "فأعتقها فإنها مؤمنة" أخرجه البخاري وغيره قالوا فسؤاله صلى الله عليه وسلم لها عن الإيمان وعدم سؤاله عن صفة الكفارة وسببها دال على اعتبار الإيمان في كل رقبة تعتق عن سبب لأنه قد تقرر أن ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما قد تقرر قلت الشافعي قائل بهذه القاعدة فإن قال بها من معه من المخالفين كان الدليل على التقييد هو السنة لا الكتاب أنهم قرروا في الأصول أنه لا يحمل على المقيد إلا مع اتحاد السبب ولكنه وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود ما لفظه فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة الحديث إلى آخره قال عز الدين الذهبي هذا الحديث صحيح وحينئذ فلا دليل في الحديث على ما ذكر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها عن الإيمان إلا لأن السائل قال عليه رقبة مؤمنة الثالثة اختلف العلماء في الرقبة المعيبة بأي عيب فقالت الهادوية وداود تجزئ المعيبة لتناول اسم الرقبة لها وذهب آخرون إلى عدم إجزاء المعيبة قياسا على الهدايا والضحايا بجامع التقرب إلى الله وفصل الشافعي فقال إن كانت كاملة المنفعة كالأعور أجزأت وإن نقصت منافعه لم تجز إذا كان ذلك ينقصها نقصانا ظاهرا كالأقطع والأعمى إذ العتق تمليك المنفعة وقد نقصت وللحنفية تفاصيل في العيب يطول تعدادها ويعز قيام الأدلة عليها الرابعة أن قوله صلى الله عليه وسلم: "فصم شهرين متتابعين" دال على وجوب التتابع وعليه دلت الآية وشرطت أن تكون قبل المسيس فلو مس فيهما استأنف وهو إجماع إذا وطئها نهارا متعمدا وكذا ليلا عند الهادوية و أبي حنيفة وآخرين ولو ناسيا للآية وذهب الشافعي وأبو يوسف إلى أنه لا يضر ويجوز لأن علة النهي إفساد الصوم ولا إفساد بوطء الليل وأجيب بأن الآية عامة واختلفوا إذا وطىء نهارا ناسيا فعند الشافعي وأبي يوسف لا يضر لأنه لم يفسد الصوم وقالت الهادوية وأبو حنيفة بل يستأنف كما إذا وطىء عامدا لعموم الآية قالوا وليست العلة إفساد الصوم بل دل عموم الدليل للأحوال كلها على أنها لا تتم الكفارة إلا بوقوعها قبل المسيس الخامسة اختلفوا أيضا فيما إذا عرض له في أثناء صيامه عذر مأيوس ثم زال هل يبني على صومه أو يستأنف فقالت الهادوية و مالك وأحمد إنه يبني على صومه لأنه فرقه بغير اختياره وقال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي بل يستأنف لاختياره التفريق وأجيب بأن العذر صيره كغير المختار وأما إذا كان العذر مرجوا فقيل يبني أيضا وقيل لا يبني لأن رجاء زوال العذر صيره كالمختار وأجيب بأنه مع العذر لا اختيار له السادسة أن ترتيب قوله صلى الله عليه وسلم فصم على قول السائل ما أملك إلا رقبتي يقضي بما قضت به الآية من أنه لا ينتقل إلى الصوم إلا لعدم وجدان الرقبة فإن وجد الرقبة إلا أنه يحتاجها لخدمته للعجز فإنه لا يصح منه الصوم فإن قيل إنه قد صح التيمم لواجد الماء إذا كان يحتاج إليه فهلا قستم هذا عليه قلت لا قياس لأن التيمم قد شرع مع العذر الفراش الاحتياج إلى الماء كان لعذر فإن قيل فهل يجعل الشبق إلى الجماع عذرا يكون له معه العدول إلى الإطعام ويعد صاحب
(3/188)

الشبق غير مستطيع للصوم قلت هو ظاهر حديث سلمة وقوله في الاعتذار عن التكفير بالصيام وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام وإقراره صلى الله عليه وسلم على عذره وقوله أطعم يدل على أنه عذر يعدل معه إلى الإطعام السابعة أن النص القرآني والنبوي صريح في إطعام ستين مسكينا كأنه جعل عن كل يوم من الشهرين إطعام مسكين واختلف العلماء هل لا بد من إطعام ستين مسكينا أو يكفي إطعام مسكين واحد ستين يوما فذهبت الهادوية ومالك وأحمد والشافعي إلى الأول لظاهر الآية وذهبت الحنفية وهو أحد قولي زيد بن علي والناصر إلى الثاني وأنه يكفي إطعام واحد ستين يوما أو أكثر من واحد بقدر إطعام ستين مسكينا قالوا لأنه في اليوم الثاني مستحق كقبل الدفع إليه وأجيب بأن ظاهر الآية تغاير المساكين بالذات ويروى عن أحمد ثلاثة أقوال كالقولين هذين والثالث إن وجد غير المسكين لم يجز الصرف إليه وإلا أجزأ إعادة الصرف إليه الثامنة اختلف في قدر الإطعام لكل مسكين فذهبت الهادوية والحنفية إلى أن الواجب ستون صاعا من تمر أو ذرة أو شعير أو نصف صاع من بر وذهب الشافعي إلى أن الواجب لكل مسكين مد والمد ربع الصاع واستدل بقوله في حديث الباب "أطعم عرقا من تمر ستين مسكينا" والعرق مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا من تمر ولأنه أكثر الروايات في حديث سلمة هذا واستدل الأولون بأنه ورد في رواية عبد الرزاق اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا قالوا والوسق ستون صاعا وفي رواية لأبي داود والترمذي فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا وجاء في تفسير العرق أنه ستون صاعا وفي رواية لأبي داود أن العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا قال أبو داود وهذا أصح الحديثين ولما اختلف في تفسير العرق على ثلاثة أقوال واضطربت الروايات فيه جنح الشافعي إلى الترجيح بالكثرة وأكثر الروايات خمسة عشر صاعا وقال الخطابي في معالم السنن العرق السقيفة التي من الخوص فيتخذ منها المكاتل قال وجاء تفسيره أنه ستون صاعا وفي رواية لأبي داود يسع ثلاثين صاعا وفي رواية سلمة يسع خمسة عشر صاعا فذكر أن العرق يختلف في السعة والضيق قال فذهب الشافعي إلى رواية الخمسة عشر صاعا قلت يؤيد قوله أن الأصل براءة الذمة عن الزائد وهو وجه الترجيح التاسعة في الحديث دليل على أن الكفارة لا تسقط جميع أنواعها بالعجز وفيه خلاف فذهب الشافعي وأحد الروايتين عن أحمد إلى عدم سقوطها بالعجز لما في حديث أبي داود عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت إلى أن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق رقبة قالت لا يجد قال يصوم شهرين متتابعين قالت إنه شيخ كبير ما به من صيام قال يطعم ستين مسكينا قالت ماعنده شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بعرق الحديث فلو كان يسقط عنه بالعجز لأبانه صلى الله عليه وسلم ولم يعنه من عنده وذهب أحمد في رواية وطائفة إلى سقوطها بالعجز كما تسقط الواجبات بالعجز عنها وعن أبدالها وقيل إنها تسقط كفارة الوطء في رمضان بالعجز عنها لا غيرها من الكفارات قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم
(3/189)

أمر المجامع في نهار رمضان أن يأكل الكفارة هو وعياله والرجل لا يكون مصرفا لكفارته وقال الأولون إنما حلت له لأنه إذا عجز وكفر عنه الغير جاز أن يصرفها إليه وهو مذهب أحمد في كفارة الوطء في رمضان وله في غيرها من الكفارات قولان وهو نظير ما قالته الهادوية من أنه يجوز للإمام إذا قبض الزكاة من شخص أن يردها إليه العاشرة قال الخطابي دل الحديث على أن الظهار المقيد كالظهار المطلق وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث فقال مالك وابن أبي ليلى إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها وقال أكثر أهل العلم لا شيء عليه إذا لم يقربها وجعل الشافعي في الظهار المؤقت قولين أحدهما أنه ليس بظهار
فائدة: قد يتوهم أن سبب نزول آية الظهار حديث سلمة هذا لاتفاق الحكمين في الآية والحديث وليس كذلك بل سبب نزولها قصة أوس بن الصامت ذكره ابن كثير في الإرشاد من حديث خويلة بنت ثعلبة قالت في والله في أوس أنزل الله سورة المجادلة قالت كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وقد ضجر قالت فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال أنت علي كظهر أمي قالت ثم خرج والحاصل في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قالت قلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت فحكم الله ورسوله فيهما الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وإسناده مشهور وأخذ منه أنه إذا قصد بلفظ الظهار الطلاق لم يقع الطلاق وكان ظهارا وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي وغيرهما قال الشافعي ولو ظاهر يريد به طلاقا كان ظهارا ولو طلق يريد ظهارا كان طلاقا وقال أحمد إذا قال أنت علي كظهر أمي وعنى به الطلاق كان ظهارا ولا تطلق وعلله ابن القيم بأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فنسخ فلم يجز أن يعاد إلى الأمر المنسوخ وأيضا فأوس إنما نوى به الطلاق لما كان عليه فأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق وأيضا فإنه صريح في حكمه فلم يجز في جعله كناية في الحكم الذي أبطل الله شرعه وقضاء الله أحق وحكمه أوجب
(3/190)