وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا لأسامة: "أتشفع في حد من حدود الله؟" ثم قام فخطب فقال: "أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" متفق عليه
 
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا لأسامة: "أتشفع في حد من حدود الله؟" ثم قام فخطب فقال: "أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" متفق عليه
واللفظ لمسلم وله من
(4/20)

وجه آخر عن عائشة قالت: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فتكون يدها الخطاب في قوله: "أتشفع" لأسامة بن زيد كما يدل له ما في البخاري أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أتشفع" الحديث وهذا استفهام إنكار وكأنه قد سبق علم أسامة بأنه لا شفاعة في حد وفي الحديث مسألتان الأولى النهي عن الشفاعة في الحدود وترجم البخاري في باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان وقد دل لما قيده من أن الكراهة بعد الرفع ما في بعض روايات هذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم قال لأسامة "لما تشفع لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس بمتروكة" وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وصححه الحاكم وأخرج أبو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حالت شفاعته دن حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره" وأخرج ابن أبي شيبة من وجه أصح عن ابن عمر موقوفا وفي الطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ فقد ضاد الله في ملكه وأخرج الدارقطني من حديث الزبير موصولا بلفظ اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل حتى يبلغ الإمام فقال إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع قيل وهذا الموقوف هو المعتمد وتأتي قصة الذي سرق رداء صفوان ورفعه إليه صلى الله عليه سلم ثم أراد أن لا يقطعه فقال صلى الله عليه سلم: "هلا قبل أن تأتيني به" ويأتي من أخرجه وهذه الأحاديث متعاضدة على تحريم الشفاعة بعد البلوغ إلى الإمام وأنه يجب على الإمام إقامة الحد وادعى ابن عبد البر الإجماع على ذلك ومثله في البحر ونقل الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع وفي حديث عن عائشة أقيلوا ذوي الهيئات إلا في الحدود ما يدل على جواز الشفاعة في التعزيرات لا في الحدود ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك المسألة الثانية في قوله كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده وأخرجه النسائي بلفظ استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون وهي لا تعرف فباعته وأخذت ثمنه وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن أن امرأة جاءت فقالت إن فلانة تستعير حليا فأعارتها إياه فمكثت لا تراه فجاءت إلى التي استعارت لها فسألتها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فأنكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال: "اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت" والحديث دليل على أنه يجب القطع على جحد العارية وهو مذهب أحمد وإسحاق والظاهرية ووجه دلالة الحديث على ذلك واضحة فإنه صلى الله عليه سلم رتب القطع على جحد العارية وقال ابن دقيق العيد إنه لا يثبت الحكم المرتب على الجحود
(4/21)

حتى يتبين ترجيح رواية من روى أنها كانت جاحدة على رواية من روى أنها كانت سارقة وذهب الجماهير أنه لا يجب القطع في جحد العارية قالوا لأن الآية في السارق والجاحد لا يسمى سارقا ورد هذا ابن القيم وقال إن الجحد داخل في اسم السرقة قلت أما دخول الجاحد تحت لفظ السارق لغة فلا تساعده عليه اللغة وأما الدليل فثبوت قطع الجاحد بهذا الحديث قال الجمهور وحديث المخزومية قد ورد بلفظ أنها سرقت من طريق عائشة وجابر وعروة بن الزبير ومسعود بن الأسود أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي وغيرهم مصرحا بذكر السرقة قالوا فقد تقرر أنها سرقت ورواية جحد العارية لا تدل على أن القطع كان لها بل إنما ذكر جحدها العارية لأنه قد صار خلقا لها معروفا فعرفت المرأة به والقطع كان للسرقة وهذا خلاصة ما أجاب به الخطابي ولا يخفى تكلفه ثم هو مبني على أن المعبر عنه امرأة واحدة وليس في الحديث ما يدل على ذلك لكن في عبارة المصنف ما يشعر بذلك فإنه جعل الذي ذكره ثانيا رواية وهو يقتضي من حيث الإشعار العادي أنهما حديث واحد أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح العمدة والمصنف هنا صنع ما صنعه صاحب العمدة في سياق الحديث عند قال الجمهور ويؤيد ما ذهبنا إليه الحديث الآتي وهو قوله