وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" أخرجه مسلم
 
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" أخرجه مسلم
فإنه دال على أن كل مسكر يسمى خمرا وفي قوله "كل مسكر حرام" دليل على تحريم كل مسكر وهو عام لكل ما كان من عصير أو نبيذ وإنما اختلف العلماء في المراد بالمسكر هل يراد تحريم القدر المسكر وتحريم تناوله مطلقا وإن قل ولم يسكر إذا كان في ذلك الجنس صلاحية الإسكار ذهب إلى تحريم القليل والكثير مما أسكر جنسه الجمهور من الصحابة وغيرهم و أحمد وإسحاق والشافعي ومالك والهادوية جميعا مستدلين بهذا الحديث وحديث جابر الآتي بعد هذا وبما أخرجه أبو داود من حديث عائشة كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام وبما أخرجه ابن حبان والطحاوي من حديث سعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره" وفي معناه روايات كثيرة لا تخلو عن مقال في أسانيدها لكنها تعتضد بما سمعت قال أبو مظفر السمعاني: الأخبار في ذلك كثيرة لا مساغ لأحد في العدول عنها وذهب الكوفيون و أبو حنيفة وأصحابه وأكثر علماء البصرة إلى أنه يحل دون المسكر من غير عصير العنب والرطب وتحقيق مذهب الحنفية قد بسطه في شرح الكنز حيث قال: إن أبا حنيفة قال الخمر هو النيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد حرم قليلها وكثيرها وقال إن الغليان من آية الشدة وكماله بقذف الزبد وبسكونه إذ به يتميز الصافي من الكدر وأحكام الشرع قطعية فتناط بالنهاية كالحدود وإكفار المستحل وحرمة البيع والنجاسة وعند صاحبيه إذا اشتد صار خمرا ولا يشترط القذف بالزبد لأن الاسم يثبت به والمعنى المقتضي للتحريم وهو المأثر في الفساد وإيقاع العداوة وأما الطلاء بكسر الطاء وهو العصير من العنب إن طبخ حتى يذهب أقل من ثلثيه والسكر بفتحتين وهو النيء من ماء
(4/33)

الرطب ونقيع الزبيب وهو النيء من ماء الزبيب فالكل حرام إن غلي واشتد وحرمتها دون الخمر والحلال منها أربع نبيذ التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخ وإن اشتد إذا شرب ما لا يسكر بلا لهو وطرب والخليطان وهو أن يخلط ماء التمر وماء الزبيب ونبيذ العسل والتين والبر والشعير والذرة طبخ أو لا والمثلث العنبي انتهى كلامه ببعض تصرف فيه فهذه الأنواع التي لم ينقل تحريمها استدل لها بأنها لا تدخل تحت مسمى الخمر فلا تشملها أدلة تحريم الخمر وتؤول حديث ابن عمر هذا بما قاله الطحاوي حيث قال في تأويل الحديث قال بعضهم المراد به ما يقع السكر عنده قال ويؤيده أن القاتل لا يسمى قاتلا حتى يقتل قال ويدل له حديث ابن عباس يرفعه حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب أخرجه النسائي ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه على أنه على تقدير صحته فقد قال أحمد وغيره إن الراجح أن الرواية فيه والمسكر بضم الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوته فهو حديث فرد لا يقاوم ما عرفت من الأحاديث التي ذكرناها وقد سرد لهم في الشرح أدلة من آثار وأحاديث لا سواده شيء منها عن قادح فلا تنتهض على المدعي عند لفظ الخمر قد سمعت أن الحق فيه لغة عمومه لكل مسكر كما قاله مجد الدين فقد تناول ما ذكر دليل التحريم وقد أخرج البخاري عن ابن عباس لما سأله أبو جويرية عن الباذق وهو بالباء الموحدة والذال المعجمة المفتوحة وقيل المكسورة وهو فارسي معرب أصله باذة وهو الطلاء فقال ابن عباس سبق محمد الباذق ما أسكر فهو حرام الشراب الحلال الطيب ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث وأخرج البيهقي عن ابن عباس أنه أتاه قوم يسألون عن الطلاء فقال ابن عباس وما طلاؤكم هذا إذا سألتموني فبينوا لي الذي تسألونني عنه فقالوا هو العنب يعصر ثم يطبخ ثم يجعل في الدنان قال وما الدنان قالوا دنان مقيرة قال مزفتة قالوا نعم قال يسكر قالوا إذا أكثر منه قال فكل مسكر حرام وأخرج عنه أيضا أنه قال في الطلاء إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه وأخرج أيضا عن عائشة في سؤال أبي مسلم الخولاني قال يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم يعني أهل الشام يقال له الطلاء قالت صدق الله وبلغ حبي سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها" وأخرج مثله عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير أسمها وتضرب على رءوسهم المعازف يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير" وأخرج عن عمر أنه قال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه يشرب الطلاء وإني سائل عما يشرب فإن كان يسكر جلدته فجلده الحد تاما وأخرج عن أبي عبيد أنه قال جاءت في الأشربة آثار كثيرة مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكل له تفسير فأولها الخمر وهي
(4/34)

ما غلي من عصير العنب فهذه مما لا اختلاف في تحريمها من المسلمين إنما الاختلاف في غيرها ومنها السكر يعني بفتحتين وهو نقيع التمر الذي لم تمسه النار وفيه يروى عن ابن مسعود أنه قال السكر خمر ومنها البتع بكسر الباء الموحدة والمثناة أي الفوقية الساكنة والمهملة وهو نبيذ العسل ومنها الجعة بكسر الجيم وهي نبيذ الشعير ومنها المذر وهو من الذرة جاء تفسير هذه الأربعة عن ابن عمر رضي الله عنهما وزاد ابن المنذر في الرواية عنه قال والخمر من العنب والسكر من التمر ومنها السكركة يعني بضم السين المهملة وسكونالكاف وضم الراء فكاف مفتوحة عن أبي موسى أنها من الذرة ومنها الفضيخ يعني بالفاء والضاد المعجمة والخاء المعجمة ما افتضخ من البسر من غير أن تمسه نار وسماه ابن عمر الفضوخ قال أبو عبيد فإن كان مع البسر تمر فهو الذي يسمى الخليطين قال أبو عبيد بعض العرب تسمي الخمر بعينها الطلاء قال عبيد بن الأبرص:
هي الخمر تكنى الطلاء ... كما الذئب الغرماء أبا جعدة
قال وكذلك الخمر سمي الباذق إذا عرفت فهذه آثار تؤيد العمل بالعموم ومع التعارض فالترجيح للمحرم على المبيح ومن أدلة الجمهور الحديث الآتي