وفي الصحيحين من حديث أم هانىء بنت أبي طالب قيل أسمها هند وقيل فاطمة وهي أخت علي بن أبي طالب عليه السلام "قد أجرنا من أجرت" وذلك أنها أجارت رجلين من أحمائها وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تخبره أن عليا أخاها لم يجز إجارتها فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا" الحديث
 
وفي الصحيحين من حديث أم هانىء بنت أبي طالب قيل أسمها هند وقيل فاطمة وهي أخت علي بن أبي طالب عليه السلام "قد أجرنا من أجرت" وذلك أنها أجارت رجلين من أحمائها وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تخبره أن عليا أخاها لم يجز إجارتها فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا" الحديث
والأحاديث دالة على صحة أمان الكافر من كل مسلم ذكر أو أنثى حر أم عبد مأذون أو غير مأذون لقوله أدناهم فإنه شامل لكل وضيع وتعلم صحة أمان الشريف بالأولى وعلى هذا جمهور العلماء إلا عند جماعة من أصحاب مالك فإنهم قالوا لا يصح أمان المرأة إلا بإذن الإمام وذلك لأنهم حملوا قوله صلى الله عليه وسلم لأم هانىء قد أجرنا من أجرت على أنه إجازة منه قالوا فلو لم يجز لم يصح أمانها وحمله الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم أمضى ما وقع منها وأنه قد انعقد أمانها لأنه صلى الله عليه وسلم سماها مجيرة ولأنها داخلة في عموم المسلمين في الحديث على ما يقوله بعض أئمة الأصول أو من باب التغليب بقرينة الحديث الآتي
43-وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما" رواه مسلم وأخرجه أحمد بزيادة لئن عشت إلى قابل وأخرج الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه سلم أوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأخرج البيهقي من حديث مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" قال مالك قال ابن شهاب ففحص عمر عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" فأجلى يهود خيبر قال مالك وقد أجلى يهود نجران وفدك أيضا والحديث دليل على وجوب إخراج اليهود والنصارى والمجوس من جزيرة العرب لعموم قوله "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " وهو عام لكل دين والمجوس بخصوصهم حكمهم حكم أهل الكتاب كما عرفت وأما حقيقة جزيرة العرب فقال مجد الدين في القاموس جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام عند دجلة والفرات أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة إلى أطراف ريف العراق عرضا انتهى وأضيفت إلى العرب لأنها كانت أوطانهم قبل الإسلام وأوطان أسلافهم وهي تحت أيديهم وبما تضمنته الأحاديث من وجوب إخراج من له دين غير الإسلام من جزيرة العرب قال مالك والشافعي وغيرهما إلا أن الشافعي والهادوية خصوا ذلك بالحجاز قال الشافعي وإن سأل من يعطي الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن له ذلك والمراد بالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها وفي القاموس الحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها كأنها حجزت بين نجد وتهامة أو بين نجد والسراة
(4/61)

أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بني سليم وراقم وليلى وشوران والنار قال الشافعي ولا أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليس اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن قلت لا يخفى أن الأحاديث الماضية فيها الأمر بإخراج من ذكر من أهل الأديان غير دين الإسلام من جزيرة العرب والحجاز بعض جزيرة العرب وورد في حديث أبي عبيدة الأمر بإخراجهم من الحجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب والحكم على بعض مسمياتها بحكم لا يعارض الحكم عليها كلها بذلك الحكم كما قرر في الأصول أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصص العام وهذا نظيره وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه جماعة من العلماء وغاية ما أفاده حديث أبي عبيدة زيادة التأكيد في إخراجهم من الحجاز لأنه دخل إخراجهم من الحجاز تحت الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب ثم أفرد بالأمر زيادة تأكيد لا أنه تخصيص أو نسخ وكيف وقد كان آخر كلامه صلى الله عليه وسلم اخرجوا المشركين من جزيرة العرب كما قال ابن عباس أوصى عند موته وأخرج البيهقي من حديث مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول بلغني أنه كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه سلم أنه قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب وأما قول الشافعي إنه لا يعلم أحدا أجلاهم من اليمن فليس ترك إجلائهم بدليل فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة وقد ترك أبو بكر رضي الله عنه إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردة لم يكن ذلك دليلا على أنهم لا يجلون بل أجلاهم عمر رضي الله عنه وأما القول بأنه صلى الله عليه سلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ خذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا فهذا كان قبل أمره صلى الله عليه وسلم بإخراجهم فإنه كان عند وفاته كما عرفت فالحق وجوب إجلائهم من اليمن لوضوح دليله وكذا القول بأن تقريرهم في اليمن قد صار إجماعا سكوتيا لا ينهض على دفع الأحاديث فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من الآحاد أو من خليفة أو غيره من فعل محظور أو ترك واجب لا يدل على جواز ما وقع ولا على جواز ما ترك فإنه إن كان الواقع فعلا أو تركا لمنكر وسكتوا لم يدل سكوتهم على أنه ليس بمنكر لما علم من أن مراتب الإنكار ثلاث باليد أو اللسان أو القلب وانتفاء الإنكار باليد واللسان لا يدل على انتفائه بالقلب وحينئذ فلا يدل سكوته على تقريره لما وقع حتى يقال قد أجمع عليه إجماعا سكوتيا إذ لا يثبت أنه قد أجمع الساكت إلا إذا علم رضاه بالواقع ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب وبهذا يعرف بطلان القول بأن الإجماع السكوتي حجة ولا أعلم أحدا قد حرر هذا في رد الإجماع السكوتي مع وضوحه والحمد لله المنعم المتفضل فقد أوضحناه في رسالة مستقلة فالعجب ممن قال ومثله قد يفيد القطع وكذلك قول من قال إنه يحتمل أن حديث الأمر بالإخراج كان عند سكوتهم بغير جزية باطل لأن الأمر بإخراجهم عند وفاته صلى الله عليه وسلم والجزية فرضت في التاسعة من الهجرة عند
(4/62)

نزول براءة فكيف يتم هذا ثم إن عمر أجلى أهل نجران وقد كان صالحهم صلى الله عليه وسلم على مال واسع كما هو معروف وهو جزية والتكلف لتقويم ما عليه الناس ورد ما ورد من النصوص بمثل هذه التأويلات مما يطيل تعجب الناظر المنصف قال النووي قال العلماء رحمهم الله تعالى ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين إلى الحجاز ولا يمكثون فيه أكثر من ثلاثة أيام قال الشافعي ومن وافقه إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخولها بحال فإن دخل في خفية وجب إخراجه فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج ما لم يتغير وحجته قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}
قلت: ولا يخفى أن الباديان هم المجوس والمجوس حكمهم من حكم أهل الكتاب لحديث سنوا بهم سنة أهل الكتاب فيجب إخراجهم من أرض اليمن ومن كل محل من جزيرة العرب وعلى فرض أنهم ليسوا بمجوس فالدليل على إخراجهم دخولهم تحت لا يجتمع دينان في أرض العرب