مقدمة
 
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) (آل عمران،أية:102)
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1) (النساء،الآية:1)
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)
(الأحزاب،الآية:70-71 ).

أما بعد :
هذا الكتاب ( الفاروق عمر بن الخطاب شخصيته وعصره )
يرجع الفضل في كتابته إلى المولى عز وجل ثم إلى مجموعة خيرة من العلماء والشيوخ والدعاة الذين شجعوني على المضي في دراسة عصر الخلفاء الراشدين حتى إن أحدهم قال لي: لقد أصبحت هناك فجوة بين أبناء المسلمين وذلك العصر، وحدث خلط في ترتيب الأوليات حيث صار الكثير من أبناء المسلمين يلمون بسيرة الدعاة والعلماء والمصلحين أكثر من إلمامهم بسيرة الخلفاء الراشدين، وأن ذلك العصر غني بالجوانب السياسية، والتربوية، والإعلامية، والأخلاقية، والاقتصادية، والفكرية، والجهادية والفقهية التي نحن في أشد الحاجة إليها ، ونحتاج أن نتتبع مؤسسات الدولة الاسلامية، وكيف تطورت مع مسيرة الزمن، كالمؤسسة القضائية والمالية ونظام الخلافة والمؤسسة العسكرية، وتعيين الولاة وما حدث من اجتهادات في ذلك العصر عندما احتكت الأمة الإسلامية بالحضارة الفارسية، والرومانية، وطبيعة حركة الفتوحات الإسلامية .
كانت بداية هذا الكتاب فكرة أراد الله لها أن تصبح حقيقة، فأخذ الله بيدي وسهل لي الأمور وذلل الصعاب، وأعانني على الوصول للمراجع والمصادر والفضل لله تعالى الذي أعانني على ذلك .
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر وهي متناثرة في بطون الكتب والمصادر والمراجع سواء كانت تاريخية أو حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية أو كتب التراجم والجرح والتعديل فقمت بدراستها حسب وسعي وطاقتي فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة يصعب الوقوف على حقيقتها في الكتب التاريخية المعروفة والمتداولة، فقمت بجمعها وترتيبها وتوثيقها وتحليلها، وقد طبع الكتاب الأول عن الصديق رضي الله عنه وقد سميته (أبو بكر الصديق شخصيته وعصره).
وبفضل الله انتشر هذا الكتاب في المكاتب العربية والمعارض الدولية ووصل إلى كثير من القراء والدعاة والعلماء وطلاب العلم، وعوام المسلمين، فشجعوني على الاستمرار في دراسة عصر الخلفاء الراشدين ومحاولة تبسيطه وتقديمه للأمة في أسلوب يلائم العصر .
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين ملئ بالدروس والعبر، فإذا أحسنا عرضه وابتعدنا عن الروايات الضعيفة والموضوعة وعن كتب المستشرقين وأذنابهم من العلمانيين والروافض وغيرهم، واعتمدنا منهج أهل السنة في الدراسة نكون قد أسهمنا في صياغته بمنظور أهل السنة، وتعرفنا على حياة وعصر من قال الله فيهم وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100) (التوبة،آية:100).
وقال تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا (الفتح،الآية:29) .
وقال فيهم رسول الله : (( خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ….))()
وقال فيهم عبدالله بن مسعود : من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي
لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا والله أفضل هذه الأمة ،وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم()، فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام الإسلام ونشروه في مشارق الأرض ومغاربها فعصرهم خير العصور، فهم الذين علموا الأمة القرآن الكريم ورووا السنن والآثار عن رسول الله ، فتاريخهم هو الكنز الذي حفظ مدخرات الأمة في الفكر والثقافة والعلم والجهاد، وحركة الفتوحات والتعامل مع الشعوب والأمم ، فتجد الأجيال في هذا التاريخ المجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها في الحياة على منهج صحيح وهدي رشيد وتعرف من خلاله حقيقة رسالتها ودورها في دنيا الناس ، وتستمد من ذلك العصر ما يغذي الأرواح، ويهذب النفوس، وينور العقول، ويشحذ الهمم، ويقدم الدروس، ويسهل العبر، وينضج الأفكار ويجد الدعاة والعلماء والشيوخ وأبناء الأمة ما يعينهم على إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة ويتعرفوا على معالم الخلافة الراشدة وصفات قادتها وجيلها، وخصائصها وأسباب زوالها فهذا الكتاب الثاني عن عصر الخلفاء الراشدين يتحدث عن الفاروق عمر بن الخطاب ويتناول شخصيته وعصره ، فهو الخليفة الثاني وأفضل الصحابة الكرام بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعاً وقد حثنا رسول الله وأمرنا باتباع سنتهم والاهتداء بهديهم قال رسول الله :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي()فعمر خير الصالحين بعد الأنبياء والمرسلين وأبي بكر الصديق وقد قال فيهما رسول الله : اقتدوا باللذين من بعدي ،أبي بكر وعمر(). وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة في فضائل الفاروق فقد قال رسول الله : لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر() وقال رسول الله : أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب ()، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له() ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن()وقد قال عمرو بن العاص : قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قلت: يا رسول الله من الرجال؟ قال : أبوها قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب ثم عد رجالاً().
إن حياة الفاروق عمر بن الخطاب صفحة مشرقة من التاريخ الإسلامي الذي بهر كل تاريخ وفاقه والذي لم تحوِ تواريخ الأمم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله ولذلك قمت بتتبع أخباره وحياته وعصره في المصادر والمراجع واستخرجتها من بطون الكتب وقمت بترتيبها وتنسيقها وتوثيقها وتحليلها لكي تصبح في متناول الدعاة والخطباء والعلماء والساسة ورجال الفكر وقادة الجيوش وحكام الأمة وطلاب العلم وعامة الناس لعلهم يستفيدون منها في حياتهم ويقتدون بها في أعمالهم فيكرمهم الله بالفوز في الدراين.
لقد تتبعت حياة الفاروق منذ ولادته حتى استشهاده فتحدثت عن نسبه وأسرته وحياته في الجاهلية وعن إسلامه وهجرته وعن أثر القرآن الكريم وملازمته للنبي في تربيته وصياغة شخصيته الإسلامية العظيمة وتكلمت عن مواقفه في الغزوات وفي المجتمع المدني في حياة الرسول والصديق وبينت قصة استخلافه ووضحت قواعد نظام حكمه كالشورى واقامة العدل والمساواة بين الناس واحترامه للحريات وأشرت إلى أهم صفات الفاروق وحياته مع أسرته واحترامه لأهل البيت وإلى حياته في المجتمع بعدما أصبح خليفة المسلمين كاهتمامه ورعايته لنساء المجتمع وحفظه لسوابق الخير لرعيته وحرصه على قضاء حوائج الناس وتربيته لبعض زعماء المجتمع وإنكاره لبعض التصرفات المنحرفة واهتمامه بصحة الرعية ونظام الحسبة. وبالأسواق والتجارة وحرصه على تحقيق مقاصد الشريعة في المجتمع كحماية جانب التوحيد ومحاربة الزيغ والبدع واهتمامه بأمر العبادات وحماية أعراض المجاهدين .
وتحدثت عن اهتمام الفاروق بالعلم وعن تتبعه للرعية بالتوجيه والتعليم في المدينة وجعله المدينةَ داراً للفتوى والفقه ومدرسة تخرج منها العلماء والدعاة والولاة والقضاة وبينت الأثر العمري في مدارس الأمصار كالمدرسة المكية والمدنية والبصرية والكوفية والشامية والمصرية فقد اهتم الفاروق بالكوادر العلمية المتخصصة وبعثها إلى الأمصار وأرشد القادة والأمراء مع توسع حركة الفتوحات إلى إقامة المساجد في الأقاليم المفتوحة لتكون مراكز للدعوة والتعليم والتربية ونشر الحضارة الإسلامية فقد كانت المساجد هي المؤسسات العلمية الأولى في الإسلام ومن خلالها تحرك علماء الصحابة لتعليم الشعوب الجديدة التي دخلت في الإسلام طواعية بدون ضغط أو إكراه وقد وصلت المساجد التي تقام فيها الجمعة في دولة عمر إلى اثني عشر ألف مسجد وقد كانت المؤسسات العلمية خلف مؤسسة الجيش التي قامت بفتح العراق وإيران والشام ومصر وبلاد المغرب وقد قاد هذه المؤسسات كوادر علمية وفقهية ودعوية متميزة تربت على يدي رسول الله في المدينة وقد استفاد الفاروق من هذه الطاقات فأحسن توجيهها ووضعها في محلها فأسست تلك الطاقات الكوادر للحركة العلمية والفقهية التي كانت مواكبة لحركة الفتح وتكلمت عن اهتمام الفاروق بالشعر والشعراء فقد كان عمر أكثر الخلفاء الراشدين ميلاً لسماع الشعر وتقويمه كما كان أكثرهم تمثلاً به حتى قيل: كان عمر بن الخطاب لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيتاً من الشعر وقد برع الفاروق في النقد الأدبي وكانت له مقاييس يحتكم إليها في تفضيله أو إيثاره نصاً على نص أو تقديمه شاعراً على غيره ومن هذه المقاييس سلامة العربية وأنس الألفاظ والبعد عن المعاضلة والتعقيد والوضوح والابانة وأن تكون الألفاظ بقدر المعاني وجمال اللفظة في موقعها وحسن التقسيم وكان يمنع الشعراء من قول الهجاء أو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية واستخدم أساليب متعددة في تأديبهم منها أنه أشترى أعراض المسلمين من الحطيئة بثلاثة آلاف درهم حتى قال ذلك الشاعر :


وأخذت أطراف الكلام فلم تدع    شتماً يضر ولا مديحاً ينفع

ومنعتني عرض البخيل فلم يخف    شتمي فأصبح آمناً لا يفزع


وتحدثت عن التطور العمراني وإدارة الأزمات في عهد عمر فبينت اهتمام الفاروق بالطرق ووسائل النقل البري والبحري وإنشاء الثغور والأمصار كقواعد عسكرية ومراكز إشعاع حضاري، وتكلمت عن نشأة المدن الكبرى في عهد عمر كالبصرة والكوفة والفسطاط، وسرت،وعن الاعتبارات العسكرية والاقتصادية التي وضعها الفاروق عند إنشاء المدن، وعن الأساليب التي اتخذها عمر في مواجهة عام الرمادة، وكيف جعل من نفسه للناس قدوة؟ وعن معسكرات اللاجئين في تلك السنة، وعن الاستعانة بأهل الأمصار، والاستعانة بالله وصلاة الاستسقاء، وعن بعض الاجتهادات الفقهية في عام الرمادة، كوقف إقامة حد السرقة، وتأخير دفع الزكاة في ذلك العام.
وأشرت إلى عام الطاعون وموقف الفاروق من هذا الوباء الذي كان سبباً في وفاة كبار قادة الجيش الإسلامي بالشام، وقد مات أكثر من عشرين ألفاً من المسلمين بسبب الطاعون، واختلت الموازين وضاعت المواريث، فذهب الفاروق إلى الشام وقسم الأرزاق وسمى الشواتي والصوائف وسد ثغور الشام ومسالحها وولى الولاة، ورتب أمور الجند والقادة والناس، وورّث الأحياء من الأموات.
ووضحت دور الفاروق في تطوير المؤسسة المالية والقضائية فتحدثت عن المؤسسة المالية، وعن مصادر دخل الدولة في عهد عمر رضي الله عنه، كالزكاة والجزية، والخراج، والعشور، والفيء والغنائم، وعن بيت مال المسلمين وتدوين الدواوين، وعن مصارف الدولة في عهد عمر وعن اجتهاد الفاروق في مسألة أرض الخراج وعن إصدار النقود الإسلامية، وبينت دور الفاروق في تطوير المؤسسة القضائية، وتكلمت عن أهم رسائل عمر إلى القضاة، وعن تعيين القضاة، ومرتباتهم وصفاتهم وما يجب عليهم، وعن مصادر الأحكام القضائية، والأدلة التي يعتمد عليها القاضي، وعن اجتهادات الفاروق القضائية كحكم تزوير الخاتم الرسمي للدولة، ورجل سرق من بيت المال بالكوفة، ومن جهل تحريم الزنا، وغيرها من الأحكام القضائية والفقهية ، وعن فقه عمر في التعامل مع الولاة، فبينت أقاليم الدولة في عهد عمر وأسماء من تولى إمارة الأقاليم في عصره، وعن أهم قواعد عمر في تعيين الولاة وشروطه عليهم ، وعن صفات ولاة عمر، وعن حقوق الولاة وواجباتهم، وعن متابعة الفاروق للولاة ومحاسبتهم، وعن تعامل الفاروق مع شكاوى الرعية في الولاة، وعن أنواع العقوبات التي أنزلها الفاروق بالولاة، وعن قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعن عزله في المرتين الأولى والثانية، ومجمل أسباب عزله، وعن موقف المجتمع الإسلامي من قرار العزل، وعن موقف خالد بن الوليد من ذلك القرار وماذا قال عن الفاروق وهو على فراش الموت.
ووصفت فتوح العراق وإيران والشام ومصر وليبيا في عهد الفاروق ووقفت مع الدروس والعبر والفوائد والسنن في تلك الفتوح، وسلطت الأضواء على الرسائل التي كانت بين الفاروق وقادة جيوشه واستخرجت منها مادة علمية تربوية في توجيه الشعوب وبناء الدول، وتربية المجتمعات وترشيد القادة ، وفنون القتال، واستنبطت من رسائل عمر إلى القادة حقوق الله كمصابرة العدو، وأن يقصدوا بقتالهم نصرة دين الله ، وأداء الأمانة وعدم المحاباة في نصر دين الله، وحقوق القادة، كالتزام طاعتهم، وامتثال أوامراهم، وحقوق الجند، كاستعراضهم وتفقد أحوالهم، والرفق بهم في السير، وتحريضهم على القتال…إلخ.
وتكلمت عن علاقة عمر مع الملوك وعن نتائج الفتوحات العمرية وعن الأيام الأخيرة في حياة الفاروق وعن فهمه لفقه القدوم على الله الذي كان مهيمناً على نفسه ومتغلغلاً في قلبه منذ إسلامه حتى استشهاده ـ لقد حاولت في هذا الكتاب أن أُبين كيف فهم الفاروق الإسلام وعاش به في دنيا الناس، وكيف أثر في مجريات الأمور في عصره، وتحدثت عن جوانب شخصيته المتعددة السياسية، والعسكرية، والإدارية والقضائية، وعن حياته في المجتمع لمَّا كان أحد رعاياه وبعد أن تولى الخلافة بعد الصديق، وركّزت على دوره في تطوير المؤسسات المالية والقضائية والإدارية والعسكرية.
إن هذا الكتاب يبرهن على عظمة الفاروق ، ويثبت للقارئ بأنه كان عظيماً بإيمانه، عظيماً بعلمه، عظيماً بفكره عظيماً ببيانه، عظيماً بخلقه ـ عظيماً بآثاره ـ فقد جمع الفاروق العظمة من أطرافها وكانت عظمته مستمدة من فهمه وتطبيقه للإسلام وصلته العظيمة بالله واتباعه لهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
إن الفاروق من الأئمة الذي يرسمون للناس خط سيرهم ويتأسى بهم الناس بأقوالهم وأفعالهم في هذا الحياة، فسيرته من أقوى مصادر الإيمان، والعاطفة الإسلامية الصحيحة والفهم السليم لهذا الدين، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى الرجال الأكفاء الذي يقتدون بالصحابة الكرام ويجسّدون المعاني السامية ـ فيحيونها بتضحيات يراها الناس ويحسُّون بها، فإن تاريخ الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام يظل مذكراً للأمة عبر الأجيال، ويكون الانتفاع به بالتأسيِّ بأولئك العظماء وتطبيق تلك المواقف الكريمة من عظماء الرجال الذي يشاركون أفراد الأمة في ظروف الحياة المعاصرة حتى لا يظن ظان أن هذه المواقف والدروس والعبر، إنما كانت في عصور ملائمة لوجودها وأن تكرارها يتطلب ظروفاً حياتية مشابهة والحقيقة تقول إنه كلما قويَ المحرك الإيماني واتضح فقه القدوم على الله وحرص المسلمون على العمل به، فإن الله يتكفل بنصر أوليائه وتسخير ظروف الحياة لصالحهم.
هذا وقد اجتهدت في دارسة شخصية الفاروق وعصره حسب وسعي وطاقتي، غير مدع عصمة، ولا متبرئ من زلة ووجه الله العظيم لا غيره قصدت، وثوابه أردت، وهو المسؤول في المعونة عليه، والانتفاع به إنه طيب الأسماء، سميع الدعاء.

هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأربعاء الساعة السابعة وخمس دقائق صباحاً بتاريخ 13 رمضان 1422هـ ـ الموافق 28/نوفمبر/ 2001م والفضل لله من قبل ومن بعد، واسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده ـ قال تعالى: مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) (فاطر،آية:2).
ولايسعني في نهاية هذه المقدمة إلا أن أقف بقلب خاشع منيب بين يدى الله عز وجل، معترفاً بفضله وكرمه وجوده، فهو المتفضل وهو المكرم وهو المعين وهو الموفِّق ، فله الحمد على ما منّ به عليّ أولاً وآخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذي أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه قال تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(19) (النمل،آية:19)

سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه

علي محمد محمد الصَّلاَّبي

13/رمضان/1422هـ