رابعاً: رأي عمر في عدم قبول دية قتلى المسلمين، واعتراضه على إقطاع الصديق للأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن:
 
رابعاً: رأي عمر في عدم قبول دية قتلى المسلمين، واعتراضه على إقطاع الصديق للأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن:


1- رأي عمر في عدم قبول دية قتلى المسلمين في حروب الردة:
جاء وفد بُزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية؟ قال تنزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا، وتَدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله صلى الله عليه و سلم والمهاجرين أمراً يعذرونكم به، فعرض أبو بكر ما قال على القوم، فقام عمر بن الخطاب، فقال: قد رأيت رأياً سنشير عليك، أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردّون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله، أجورها على الله ليس لها ديات. فتبايع القوم على ما قال عمر .

2- اعتراضه على إقطاع الصديق للأقرع بن حابس وعينيه بن حصن:
جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر – رضي الله عنه – فقالا:
يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعنا لعلنا نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: ما تقولون فيما قالا، إن كانت أرضاً سبخة لا ينتفع بها؟ قالوا: نرى أن تقطعهما إياها، لعل الله ينفع بها بعد اليوم. فأقطعهما إياها، وكتب لهما بذلك كتاباً، وأشهد عمر، وليس في القوم، فانطلقا إلى عمر يشهدانه، فوجداه قائماً يهنأ بعيراً له، فقالا: إن أبا بكر أشهدك على ما في الكتاب فنقرأ عليك أو تقرأ؟ فقال: أنا على الحال الذي تريان، فإن شئتما فاقرءا وإن شئتما فانظرا حتى فرغ، فأقرأ عليكما قالا: بل نقرأ فقرءا فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليه فمحاه، فتذمرا، وقالا مقالة سيئة، فقال: إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام، فاذهبا فأجهدا جهدكما، لا رعى الله عليكما إن رعيتما. فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر: فقال:لا بل هو لو كان شاء. فجاء عمر – وهو مغضب – فوقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين أرض هي لك خاصة أم للمسلمين عامة. قال: بل للمسلمين عامة. قال: فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، فكل المسلمين أوسعتهم مشورة ورضي. فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد كنت قلت لك إنك على هذا أقوى مني، ولكن غلبتني .
هذه الواقعة دليل لا يقبل الشك أن حكم الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كان يقوم على الشورى، فهي تظهر لنا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم , حريصاً على استشارة المسلمين في الصغير والكبيرة، وما كان ليبرم أمراً دون مشورة إخوانه .
إن الخبر السالف الذكر يؤكد لنا أن خليفة رسول الله رضي الله عنه كان يمضي الشورى في كل شأن من شؤون المسلمين، بل وكان ينزل عن رأيه، وهو من هو رضي الله عنه، إنها صورة للشورى الحقيقية المنضبطة مع أوامر الله، مع الحلال والحرام، لا الشورى المزيفة التي تجري تحت قباب مجالس دستورية لم تجن من ورائها الشعوب إلا المرارة والاستبداد والظلم والضياع .