خامساً: جمع القرآن الكريم:
 
خامساً: جمع القرآن الكريم:

كان من ضمن شهداء المسلمين في حرب اليمامة كثير من حفظة القرآن وقد نتج عن ذلك أن قام أبو بكر رضي الله عنه بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن حيث جمع من الرقاع والعظام والسعف ومن صدور الرجال ، وأسند الصديق هذا العمل العظيم إلى الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: بعث إليّ أبو بكر رضي الله عنه لمقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن الكريم، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن ، كلها فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم؟!! فقال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال
أبو بكر: وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم , فتتبع القرآن فاجمعه . قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما كلفني به من جمع القرآن .
ونستخلص من واقعة جمع القرآن الكريم بعض النتائج منها:
إن جمع القرآن الكريم جاء نتيجة الخوف على ضياعه نظراً لموت العديد من القراء في حروب الردة، وهذا يدل على أن القراء والعلماء كانوا وقتئذ أسرع الناس إلى العمل والجهاد لرفع شأن الإسلام والمسلمين بأفكارهم وسلوكهم وسيوفهم فكانوا خير أمة أخرجت للناس ينبغي الاقتداء بهم لكل من جاء بعدهم.
إن جمع القرآن تم بناء على المصلحة المرسلة ولا أدل على ذلك من قول عمر لأبي بكر حين سأله كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنه والله خير وفي بعض الروايات أنه قال له: إنه والله خير ومصلحة للمسلمين، وهو نفس
ما أجاب به أبو بكر زيد بن ثابت حين سأل نفس السؤال وسواء صحت الرواية التي جاء فيها لفظ المصلحة أو لم تصح، فإن التعبير بكلمة خير، يفيد نفس المعنى، وهو مصلحة المسلمين في جمع القرآن، فقد كان جمع القرآن مبنياً على المصلحة المرسلة أول الأمر ثم انعقد الإجماع على ذلك بعد أن وافق الجميع بالإقرار الصريح أو الضمني وهذا يدل على أن المصلحة المرسلة يصح أن تكون سنداً للإجماع بالنسبة لمن يقول بحجيتها كما هو مقرر في كتب أصول الفقه.
وقد اتضح لنا من هذه الواقعة كذلك كيف كان الصحابة يجتهدون في جو من الهدوء يسوده الود والاحترام، هدفهم الوصول إلى ما يحقق الصالح العام لجماعة المسلمين، وأنهم كانوا ينقادون إلى الرأي الصحيح وتنشرح قلوبهم له بعد الإقناع والاقتناع، فإذا اقتنعوا بالرأي دافعوا عنه كما لو كان رأيهم منذ البداية، وبهذه الروح أمكن انعقاد إجماعهم حول العديد من الأحكام الاجتهادية.