ثانياً: النصوص الشرعية التي أشارت إلى أحقية خلافة الفاروق:
 
ثانياً: النصوص الشرعية التي أشارت إلى أحقية خلافة الفاروق:


1- في نص القرآن الكريم دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم وهو أن الله تعالى قال مخاطباً نبيَّه صلى الله عليه و سلم في الأعراب: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا (التوبة،آية:83). وكان نزول براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ولم يغز عليه الصلاة والسلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه و سلم وقال تعالى أيضاً: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد تبوك لهذا، ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال تعالى:
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(16) (الفتح،آية:16-17). فأخبر تعالى أنه سيدعوهم غير النبي إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم .
قال أبو محمد بن حزم: وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك . فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً وإذ قد وجبت طاعتهم فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم .

2- قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن .
هذا الحديث تضمن الإشارة إلى خلافة الشيخين رضي الله عنهما، كما تضمن الإشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه، وإلى كثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمنه فهذا المنام النبوي مثال واضح لما حصل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ عن المصطفى صلى الله عليه و سلم وآثار صحبته فقد كان صلى الله عليه و سلم هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام حيث قرر قواعد الدين ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً وأنزل الله تعالى عليه قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الأسْلاَمَ دِينًا (المائدة،آية:3).
ولما التحق صلى الله عليه و سلم بالرفيق الأعلى خلفه أبو بكر رضي الله عنه على الأمة سنتين وأشهراً وهو المراد بقوله صلى الله عليه و سلم: ((ذنوباً أو ذنوبين)) وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما جاء التصريح بذلك في رواية أخرى وقد حصل في خلافته رضي الله عنه قتال المرتدين وقطع دابرهم وأشاع رقعة الإسلام في زمنه أكثر وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله لطول ولايته واتساع بلاد الإسلام وكثرة الأموال من الغنائم وغيرها فالحديث اشتمل على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وصحتها وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها .

3- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم جلوساً فقال: إني لا أدري
ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه ، دل هذا الحديث دلالة صريحة على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه و سلم: اقتدوا باللذين. بفتح الذال أي الخليفتين اللذين يقومان من بعدي أبو بكر وعمر، فأمره صلى الله عليه و سلم بطاعتهما. يتضمن الثناء عليهما لكونهما أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين من بعده وسبب الحث على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخير ولذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

4- قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب )) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم .
ففي هذا الحديث إشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه: والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة
أبي بكر كانت قصيرة فلم تكثر فيها الفتوح التي هي من أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها – مع طول مدته – الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافاً، والفتن إلا انتشاراً ، فالحديث فيه إشارة واضحة إلى أحقية خلافة الفاروق رضي الله عنه .

5- عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم .
في هذا الحديث إشارة إلى ترتيب الثلاثة في الفضل، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين كما أن الحديث تضمن الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه وقوله في الحديث: فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك لما علم صلى الله عليه و سلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر .

6- عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظللة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها: فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً. قال: فوالله
يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت. قال: لا تقسم . تضمن هذا الحديث الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه ووجه ذلك أن قوله في الحديث: ثم أخذ به رجل آخر فعلا به. هو أبو بكر رضي الله عنه وقوله ثانياً: ثم أخذ به رجل آخر فانقطع إشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه .

7- عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك قال: فأتيته فسألته فقال: إلى أبي بكر. فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه فسله فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال: إلى عمر، فأتيته فأخبرتهم …
اشتمل هذا الحديث على الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي أمر المسلمين بعد وفاة الصديق رضي الله عنه .

8- ومما دل على أحقية خلافته رضي الله عنه اجتماع الصحابة على أنهم لا يقدمون إلا أفضلهم وأخيرهم مع قول أبي بكر وعلي رضي الله عنهما فيه، فأما قول
أبي بكر رضي الله عنه فيه فهو قوله: اللهم أمرت عليهم خير أهلك ، وأما قول علي رضي الله عنه فهو ما رواه البخاري عن محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن
أبي طالب قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله: قال أبو بكر قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر وخشيت أن يقول: عثمان. قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ، فهذه الأحاديث التي ذكرتها فيها الدلالة الواضحة على أحقية عمر رضي الله عنه .
قال السفاريتي رحمه الله: أعلم أن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه مرتبة ولازمة لأحقية خلافة الصديق الأعظم أبي بكر رضي الله عنه وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على أحقية خلافته فما ثبت للأصل الذي هو الصديق من أحقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو عمر بن الخطاب فيها فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في أحقية الخلافة وقد علم أهل العلم علماً باتاً ضرورياً أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية الصديق الخلافة ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية.