سابعاً: فرض القيود على الملكية حتى لا يقع تعسّف في استعمالها:
 
سابعاً: فرض القيود على الملكية حتى لا يقع تعسّف في استعمالها:

ومن اجتهادات عمر التي سبق بها زمانه والتي تدل على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وتفرض قيوداً على الملكية حتى لا يقع تعسف في استعمالها ما رواه مالك في الموطأ: عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك، لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخراً ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك، فقال محمد لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعلَ الضحاك ، وكان هذا قياساً من عمر على حديث
أبي هريرة الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره)) ثم قال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم .
ويظهر لنا أن ما فعله عمر هو قياس أولى، لأن نهي النبي الجار أن يمنع جاره غرز خشبة في جداره، هذه العملية وإن كانت لا تضر الجار فإنها في ذات الوقت لا تنفع هذا الجار، في حين أن مرور الماء اجتمع فيه الأمران معاً، نفع الجار، وعدم إلحاق الضرر به، فهو قياس أولى، وإذا كان أحمد إبراهيم يرى أن عمر قضى في هذه النازلة بما يعرف اليوم بقواعد العدالة ، فإن عبد السلام السليماني يرى أنها تدخل فيما يعرف اليوم في الفقه الغربي بنظرية التعسف في استعمال الحق هذه النظرية التي سبق إليها المسلمون الفقه الغربي بعدة قرون، وقد استمدت من حديث أبي هريرة سالف الذكر، الذي عممه عمر في كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز ذلك إلا بإذن جاره .
ويلاحظ على هذه النازلة عدة أمور وهي:
أن هذه النازلة تدخل في الاجتهاد القضائي لعمر، لأنه قضى فيها بناء على شكوى تقدم بها الضحاك إلى عمر بعد أن امتنع محمد بن مسلمة من الاستجابة لما طلب منه بصفة ودية، وبعد أن دعي هذا الأخير للحضور في مجلس عمر رضي الله عنه.
أن عمر لم يحكم في هذه النازلة جزافاً بل إنه تثبت في الأمر واطلع على ملابسات القضية وتأكد من إصرار الخصم على موقفه الرافض لمرور الماء في أرضه، وهو موقف لا مبرر له، لأن مرور الماء لم يكن يشكل أي ضرر على المدعى عليه بل على العكس من ذلك كان سيعود عليه بالنفع المحض ويحقق المصلحة المشتركة للطرفين معاً، وما دام الأمر كذلك فإن الامتناع عنه يشكل حائلاً أمام تحقيق مصلحة عامة ويدخل في نطاق التعسف في استعمال الحق، ولم يكن عمر ليتهاون في تحقيق الصالح العام لكل أفراد الأمة.
لاين سيدنا عمر محمد بن مسلمة، وهو يخاطبه مذكراً إياه بأخوة الإسلام محاولاً إقناعه بالرجوع إلى جادة الصواب ولما قابل هذا اللين بالرفض البات المشفوع بالقسم، وهو موقف أبان عن تحد لأمر الخليفة وامتناع عن الانصياع لحكمه، فجاء رد فعل عمر عنيفاً وفي مستوى مسؤوليته صونا لهيبة الخلافة التي لم يكن يستعملها إلا لتحقيق الصالح العام لجماعة المسلمين وصيانة الحقوق .