أولاً: تأمير أبي عُبيد الثقفي على حرب العراق:
 
أولاً: تأمير أبي عُبيد الثقفي على حرب العراق:

المبحث الأول: المرحلة الثانية من فتوحات العراق والمشرق:

تمثل الفتوحات في عهد الصديق رضي الله عنه في العراق بقيادة خالد بن الوليد المرحلة الأولى من الفتوحات الإسلامية التي انطلقت نحو المشرق وقد تم تفصيلها في كتابي:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه استكملت الخطة على مراحل هذه إحداها:
أولاً: تأمير أبي عُبيد الثقفي على حرب العراق:

لما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، أصبح عمر فندب الناس وحثهم على قتال أهل العراق وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك، فلم يقم أحد لأن الناس كانوا يكرهون قتال الفرس لقوة سطوتهم، وشدة قتالهم، ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد، وتكلم المثنى بن حارثة فأحسن وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يدي خالد من معظم أرض العراق ومالهم هناك من الأموال والأملاك والأمتعة والزاد، فلم يقم أحد في اليوم الثالث فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين أبو عبيد بن مسعود الثقفي ثم تتابع الناس في الإجابة ، وكان سليط بن قيس الأنصاري قد استجاب لنداء عمر بعد أبي عبيد الثقفي وقال: يا أمير المؤمنين إنما كان عن هؤلاء الفرس إلى وقتنا هذا شقشقة من شقاشق الشيطان، ألا وإني قد وهبت نفسي لله أنا ومن أجابني من بني عمي ومن اتبعني ، فكان لكلام سليط هذا أثر قوي في تشجيع الناس ورفع معنوياتهم وزيادة رغبتهم في جهاد الفرس، وطالبوا الخليفة أن يوليَ عليهم رجلاً من المهاجرين أو الأنصار فقال عمر: والله ما أجد لها أحق من الذي ندب الناس بدءاً ولولا أن سليطاً عجولٌ في الحرب لأمرته عليكم ولكن أبو عبيد هو الأمير وسليط هو الوزير فقال الناس سمعاً وطاعة ، وجاء في رواية: وأمّر على الجميع أبا عبيد ولم يكن صحابياً فقيل لعمر: هلا أمّرت عليهم رجلاً من الصحابة؟ فقال: إنما أومر أول من استجاب، إنكم إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم. ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيراً، وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم , وأن يستشير سليط بن قيس فإنه رجل باشر الحروب ،وقد جاء في وصايا عمر رضي الله عنه لأبي عبيد الثقفي ما يأتي: (( اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشركهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعاً، بل اتئد، فإنها الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث ، الذي يعرف الفرصة، ولا يمنعني أن أُؤَمّر سليطاً إلاّ سرعته إلى الحرب، والسرعة إلى الحرب إلاّ عن بيان ضياع والله لولا سرعته لأمَّرته ، ثم قال: إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجَبْرية، تقدم على قوم تجرّؤوا على الشر فَعَلِموه، وتناسو الخير فجهلوه: فانظر كيف تكون؟ واحرز لسانك، ولا تفشين سرّك، فإن صاحب السرّ ما يضبطه متحصن لا يؤتى من وجه يكره، وإذا لم يضبطه كان بمضيعة ثم أمر المثنى بن حارثة أن يتقدم إلى أن يلحقه الجيش وأمره أن يستنفر ، من حسنت توبته من المرتدين، فسار مسرعاً حتى وصل الحيرة، وكان عمر رضي الله عنه يتابع جبهات العراق والفرس والشام ويمد الجيوش بالإمدادات ويرسل لهم التعليمات، والأوامر، ويضع الخطط للمعارك ويشرف بنفسه على تنفيذها.
سار المسلمون إلى أرض العراق وهم سبعة آلاف رجل، وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرسل من كان بالعراق ممن قدم مع خالد إلى العراق فجهز عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وأرسل عمر، جرير بن عبد الله البجلي في أربعة آلاف إلى العراق فقدم الكوفة، فلما وصل الناس إلى العراق وجدوا الفرس مضطربين في ملكهم، وآخر ما استقر عليه أمرهم أن ملكوا عليهم بوران بنت كسرى بعد ما قتلوا التي كانت قبلها أزرميدخت وفوضت بوارن أمر الملك عشر سنين إلى رجل منهم يقال له رستم بن فرّخزاد على أن يقوم بأمر الحرب، ثم يصير الملك إلى آل كسرى فقبل ذلك. وكان رستم هذا منجماً يعرف النجوم وعِلْمها جيداً فقيل له ما حملك على هذا؟ يعنون وأنت تعلم أن هذا الأمر لا يتم لك فقال: الطمع وحب الشرف .