ثالثاً: فتح برقة وطرابلس:
 
ثالثاً: فتح برقة وطرابلس:

وسار عمرو بعد أن استقر له فتح مصر ليؤمن فتوحه من ناحية الغرب إذ كانت للروم قوات في برقة وطرابلس تتحصن هناك، وربما واتتها الفرصة ساقها الإغراء إلى مهاجمة المسلمين بمصر، فاتجه في قواته إلى برقة سنة 22هـ وكان الطريق بينها وبين الإسكندرية آنذاك منزعاً بالخضرة والعمران، فلم يلق كيداً في طريقه إليها، فلما وصلها صالحه أهلها على أداء الجزية، وكان أهل برقة بعد فتحها يبعثون بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة، ثم سار عمرو إثر ذلك إلى طرابلس ذات الحصون المنيعة، وبها جيش رومي كبير، فأغلقت أبوابها وصبرت على الحصار الذي استمر شهراً لا يقدر المسلمون منها على شيء وكان البحر من ورائها لاصقاً ببيوت المدينة، ولم يكن بين المدينة والبحر سور، فاستبانت جماعة من قوات المسلمين الأمر، فتسللت إلى المدينة من جهة البحر، وكبروا؛ فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم، إذ هاجمهم عمرو في قواته أيضاً فلم يفلت منهم إلا ما خفت بهم مراكبهم، وغنم المسلمون ما بالمدينة، وبث عمرو قواته فيما حولها وأراد عمرو أن يستكمل فتوحه في الغرب ويسير إلى تونس وأراضي إفريقية ليفتحها، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب، غير أن الخليفة كان يخشى على جيوش المسلمين من الانسياح في جبهة جديدة ولم يطمئن بعد إلى ما فتحت في زحفها السريع من الشام إلى طرابلس، فأمر القوات الإسلامية بالتوقف عند طرابلس وبذلك امتدت دولة الإسلام في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتشمل مساحة شاسعة من الأرض يحدها من الشرق نهر جيحون والسند ومن الغرب بلاد إفريقية وصحراؤها، ومن الشمال جبال آسيا الصغرى وأراضي أرمينية، ومن الجنوب المحيط الهادي وبلاد النوبة في دولة عالمية واحدة متعددة الأجناس والديانات والنحل والعادات، عاش أهلها في عدل الإسلام ورحمته، ذلك الدين الذي احتفظ لهم بحقهم في الحياة الكريمة وإن اختلفوا معه في عقائدهم؛ ومع أهله في عاداتهم وأعرافهم.