ثالثاً: بشارة الفتح إلى أمير المؤمنين:
 
ثالثاً: بشارة الفتح إلى أمير المؤمنين:

بعث عمرو بن العاص معاوية بن حديج وافداً إلى عمر بن الخطاب بشيراً بالفتح فقال له معاوية: ألا تكتب معي؟ فقال له عمرو: وما أصنع بالكتاب: ألست رجلاً عربياً تبلغ الرسالة، وما رأيت حضرت فلما قدم على (عمر) أخبره بفتح الإسكندرية فخرَّ عمر ساجداً وقال: الحمد لله ونترك معاوية بن حديج يحدثنا عن قصته في إبلاغ أمير المؤمنين ببشارة الفتح: لما بعثني عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب وصلت المسجد فبينما أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل (عمر بن الخطاب)، فرأتني شاحباً عليَّ ثياب السفر، فأتتني، فقالت: من أنت؟ قال: فقلت: أنا معاوية بن حديج، رسول عمرو بن العاص، فانصرفت عني ثم أقبلت تشتد أسمع حفيف إزارها على ساقها أو على ساقيها حتى دنت مني فقالت: قم فأجب أمير المؤمنين يدعوك، فتتبعتها فلما دخلت فإذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه بإحدى يديه، ويشد إزاره بالأخرى، فقال: ما عندك؟ فقلت: خيراً يا أمير المؤمنين، فتح الله الإسكندرية فخرج معي إلى المسجد فقال للمؤذن: أذن في الناس (الصلاة جامعة)، فاجتمع الناس، ثم قال لي: قم فأخبر أصحابك فقمت فأخبرتهم، ثم صلى ودخل منزله، واستقبل القبلة، فدعا بدعوات، ثم جلس فقال: يا جارية هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت فقال: كل فأكلت على حياء ثم قال: كله فإن المسافر يحب الطعام فلو كنت آكلاً لأكلت معك فأصبت على حياء، ثم قال: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت لعل أمير المؤمنين قائل – نوم القيلولة – قال: بئس ما قلت أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية .
ومن هذا الخبر نستنتج أن المسجد في عصر الإسلام الأول كان يمثل أهم وسائل الإعلام حيث يجتمع المسلمون فيه بنداء الصلاة جامعة، وهذا النداء يعني أن هناك أمراً مهماً سيتم إبلاغه لعموم المسلمين فإذا اجتمعوا أُلقيت عليهم البيانات العسكرية والأمور السياسية والاجتماعية وغير ذلك، كما نستفيد من هذا الخبر وصفاً لحياة عمر رضي الله عنه، وهو خليفة المسلمين، حيث يقول لمعاوية بن خديج لئن نمت النهار لأضيِّعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعنَّ نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية وهذا يدل على كمال اليقظة لحق النفس وحقوق الآخرين، وإذا استطاع المسلم أن يجمع بين مراعاة ذلك كله فإنه يكون من المتقين المحسنين .