أولاً: طبيعة الفتح الإسلامي:
 
أولاً: طبيعة الفتح الإسلامي:

حاول بعض المؤرخين من النصارى والمستشرقين تشويه الفتح الإسلامي في العصر الراشدي وزعموا أن الفتوحات كانت حروباً دينية وقالوا: إن المسلمين أصحاب عقيدة، ولكنهم توسلوا بالتعصب الأعمى، وأخضعوا الناس لمبادئهم بالقهر والإرغام، وخاضوا إلى ذلك بحار الدم والقسوة، وأنهم كانوا يحملون القرآن بإحدى يديهم، والسيف باليد الأخرى ، وممن ركز منهم على هذه الفكرة، (سيديو) و(ميور) و(نيبور). إذ ينقل (ميور) عن نيبور قوله: وكان من الضروري لدوام الإسلام أن يستمر في خطته العدوانية وأن ينفذ بحد السيف ما يطالب به من دخول الناس في الإسلام كافة، أو بسط سيطرته العالمية على الأقل، غير أنه لا مناص لأيّ من الأديان أن يجنح أتباعه للحرب في إحدى مراحل حياته، وكذلك كان الحال في الإسلام، ولكن الزعم أن المسلمين هدفوا إلى بث الدعوة بالقوة، أو أنهم كانوا أكثر عدواناً من غيرهم، زعم يجب إنكاره إنكاراً تاماً ، وقد ردّ بعض المستشرقين على هذه التهم ووصفوا الفتح الإسلامي بالمثل العالية والأخلاق الكريمة فهذا فون كريمر يقول: وكان العرب المسلمون في حروبهم مثال الخلق الكريم، فحرم عليهم الرسول ، قتل الرهبان، والنساء، والأطفال، والمكفوفين، كما حرم عليهم تدمير المزارع، وقطع الأشجار، وقد اتبع المسلمون في حروبهم هذه الأوامر بدقة متناهية، فلم ينتهكوا الحرمات، ولا أفسدوا الزروع، وبينما كان الروم يرمونهم بالسهام المسمومة، فإنهم لم يبادلوا أعداءهم جرماً بجرم، وكان نهب القرى وإشعال النار قد درجت عليها الجيوش الرومانية في تقدمها وتراجعها، أما المسلمون فقد احتفظوا بأخلاقهم المثلى فلم يحاولوا من هذا شيئاً ، وقال روزنتال: وقد نمت المدينة الإسلامية بالتوسع لا بالتعمق داعية إلى العقيدة، مناقشة لتلك الحركات الفكرية الموجودة وفوق كل ذلك تقدم الإسلام فتهاوت الحواجز القديمة من اللغة والعادات، وتوفرت فرصة نادرة لجميع الشعوب والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديدة على أساس المساواة المطلقة، وبروح المنافسة الحرة .
إن الحقيقة التاريخية تقول بأن المسلمين لم يكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام لأنهم قد التزموا بقول الله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256) (البقرة،آية:256).
وأما إقبال الشعوب على الإسلام فكان بسبب ما لمسوه في الإسلام نفسه، فهو النعمة العظيمة، ولما لمسوه في المسلمين من التخلق بأخلاق الإسلام والالتزام بأحكامه وأوامره ونواهيه ولما لمسوه في القادة والجند الذين كانوا يقومون بالدعوة بالتطبيق العملي، فتميزت مواقفهم بأنبل المواقف التي عرفها التاريخ العالمي، فقد كان الخلفاء والقادة يوصون جندهم بالاستعانة بالله، والتقوى، وإيثار أمر الآخرة على الدنيا، والإخلاص في الجهاد، وإرادة الله في العمل، والابتعاد عن الذنوب، فكانت فيهم الرغبة الأكيدة الملحة لإنقاذ الأمم والإفراد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ونقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فكان قادة المسلمين على رأس جندهم يتلقون الصدمات الأولى في معارك الجهاد، واستشهد عدد كبير منهم، وقد كان القادة يسيرون خلف جندهم في وقت الأمن والعودة يرفقون بهم ويحملون الكلأ ويعينون الضعيف وكان القادة دعاة في المقام الأول، طبقوا مبادئ الحرب الإسلامي تماماً والحق أن المسلمين كانوا يخوضون جهاداً في سبيل الله، وليس حرباً كما كانت تفعل الدول الأخرى .