المبحث الثالث : الأدلة على مشروعية الأمان من الكتاب والسنة
 
المبحث الثالث : الأدلة على مشروعية الأمان من الكتاب والسنة

الأصل في الأمان قوله تعالى:

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ

(16) . قال ابن جرير الطبري: " يقول تعالى ذكره لنبيه وإن استأمنك - يا محمد - من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك، وهو القرآن الذي أنزل الله عليه، [فَأَجِرْهُ] يقول: فأمنه

حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ

(17) وتتلوه عليه:

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ

(18) يقول ثم رده بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم، ولم يتعظ بما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى: [مَأْمَنَهُ] يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين " (19) وقال ابن كثير: " يقول - تعالى - لنبيه صلى الله عليه و سلم عليه:

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

(20) الذين أمرتك بقتالهم وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم [اسْتَجَارَكَ] أي: استأمنك فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله، أي: القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله:

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ

(21) أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ

(22) أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده " (23) .
والدليل عليه من السنة ما رواه علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: « ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل » (24) . رواه البخاري ومسلم (25) . ورويا أيضاً عن أم هانئ - رضي الله عنها - أنها قالت: « يا رسول الله، قد أجرت أحمائي وأغلقت عليهم، وإن ابن أمي أراد قتلهم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، إنما يجير على المسلمين أدناهم » (26) (27) .، وأجارت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضي الله عنها أبا العاص بن الربيع، فأمضاه عليه الصلاة والسلام لها (28) .، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: « يد المسلمين على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم » (29) (30) .