المبحث الأول فتوحات عثمان في المشرق
 


المبحث الأول فتوحات عثمان في المشرق

أولاً: فتوحات أهل الكوفة: أذربيجان 24 هـ:

كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيحان، وكان يرابط بها عشرة آلاف مقاتل؛ ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالري، وكان جيش الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل، يغزو كل عام منهم عشرة آلاف، فيصيب الرجل غزوة كل أربعة أعوام. ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد ابن عقبة انتفض أهل أذربيجان، فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر، وثاروا على واليهم عقبة بن فرقد، فأمر عثمان الوليد أن يغزوهم، فجهز لهم قائده سليمان بن ربيعة الباهلي، وبعثه مقدمة أمامه في طائفة من الجند، ثم سار الوليد بعده في جماعة من الناس، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة، فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبي، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز سليمان الباهلي في اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف الوليد بعد ذلك عائدا إلى الكوفة.([1])

ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب الأشعث بن قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع الأشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف الأشعث أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام. ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم. وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى أبي موسى الأشعري وفي وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها قريظة بن كعب الأنصاري فأعاد فتحها([2]).

ثانيًا: مشاركة أهل الكوفة في إحباط تحركات الروم:

عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه: (أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت([3]) على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي([4])، والسلام). فقام الوليد في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإن الله قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاء حسنا، ورد عليهم بلادهم التي كفرت، وفتح بلادا لم تكن افتتحت، وردهم سالمين غانمين مأجورين، فالحمد لله رب العالمين. وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة آلاف إلى الثمانية آلاف، تمدون إخوانكم من أهل الشام، فإنهم قد جاشت عليهم الروم، وفي ذلك الأجر العظيم والفضل المبين. فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلي، فانتدب الناس، فلم يمضِ ثالثة حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاءوا من سبي، وملأوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.([5]) وفي جهاد الوليد وغزوه يقول بعض الرواة: رأيت الشعبي جلس إلى محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، فذكر محمد غزوة مسلمة بن عبد الملك، فقال الشعبي: كيف لو أدركتم الوليد وغزوه وإمارته؟ إن كان ليغزو فينتهي إلى كذا وكذا ما قصر ولا انتقض عليه أحد حتى عزل من عمله([6]).

ثالثـًا: غزوة سعيد بن العاص طبرستان 30 هـ:

غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الحسن والحسين, وعبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان، فسبق سعيدا ونزل أبرشهر، وبلغ نزوله أبرشهر سعيدا، فنزل سعيد قوميس، وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند، فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف، ثم أتى طميسة، وهي كلها من طبرستان جرجان، وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف، فقال لحذيفة: كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون، وضرب يومئذ سعيد رجلا من المشركين على حبل عاتقه، فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم, فسألوا الأمان فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، ففتحوا الحصن، فقتلهم جميعا إلا رجلا واحدا، وحوى ما كان في الحصن، فأصاب رجل من بني نهد سفطا عليه قفل، فظن فيه جواهر، وبلغ سعيدا، فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله، فوجدوا فيه سفطا ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران: كميت وورد.([7]) وعندما قفل سعيد إلى الكوفة، مدحه كعب بن جعبل فقال:

فنعم الفتى إذا جال جيلان دونه      وإذا هبطوا من دستبي ثم أبهرا
تعلم سعيد الخير أن مطيتي      إذا هبطت أشفقت مِنْ أن تُعْقرا
كأنك يوم الشعب لَيْث خفَّية     تحرَّدَ من ليث العرين وأصْحَرَا
تسوس الذي ما ساس قبلك واحد      ثمانين ألفا دارعين وحُسَّرا([8])


رابعًا: هروب ملك الفرس (يزدجرد) إلى خراسان:

قدم ابن عامر البصرة ثم خرج إلى فارس فافتتحها، وهرب يزدجرد من وجوز -وهي أردشير خرة- في سنة ثلاثين، فوجه ابن عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي، فاتبعه إلى كرمان، فنزل مجاشع السيرجان بالعسكر, وهرب يزدجرد إلى خراسان([9]).

خامسًا: مقتل يزدجرد ملك الفرس 31 هـ:

اختلف في سبب ذكر قتله كيف كان، قال ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل من بعض أهلها مالا فمنعوه وخافوه على أنفسهم، فبعثوا إلى الترك يستفزونهم عليه، فأتوه فقتلوا أصحابه، وهرب هو حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء([10]) على شط المرغاب([11]) فأوى إليه ليلا، فلما نام قتله.([12]) وجاء في رواية عند الطبري: بل سار يزدجرد من كرمان قبل ورود العرب إياها، فأخذ على طريق الطبسين وقهمستان، حتى شارف مرو في زهاء أربعة آلاف رجل، ليجمع من أهل خراسان جموعا، ويكر إلى العرب ويقاتلهم، فتلقاه قائدان متباغضان متحاسدان كانا بمرو، يقال لأحدهما براز والآخر سنجان، ومنحاه الطاعة، وأقام بمرو، وخص براز فحسده ذلك سنجان، وجعل براز يبغي سنجان الغوائل، ويوغل صدر يزدجرد عليه، وسعى سنجان حتى عزم على قتله، وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك إلى امرأة من نسائه كان براز واطأها، فأرسلت إلى براز بنسوة زعمت بإجماع يزدجرد على قتل سنجان، وفشا ما كان عزم عليه يزدجرد من ذلك، فنذر([13]) سنجان وأخذ حذره، وجمع جمعا كنحو أصحاب براز، ومن كان مع يزدجرد من الجند، وتوجه نحو القصر الذي كان يزدجرد نازله، وبلغ ذلك براز، فنكص عن سنجان لكثرة جموعه، ورعب جمع سنجان يزدجرد وأخافه، فخرج من قصره متنكرا، ومضى على وجهه راجلا لينجو بنفسه، فمشى نحو من فرسخين حتى وقع إلى رحا فدخل بيت الرحا فجلس فيه كالا([14]) لغبا([15])، فرآه صاحب الرحا ذات هيئة وطرة وبرزة كريمة، ففرش له، فجلس وأتاه بطعام فطعم، ومكث عنده يوما وليلة، فسأله صاحب الرحا أن يأمل له بشيء فبذل له منطقه مكللة بجوهر كانت عليه، فأبى صاحب الرحا أن يقبلها، وقال: إنما كان يرضيني من هذه المنطقة أربعة دراهم كنت أطعم بها وأشرب، فأخبره أنه لا ورق معه، فتملقه صاحب الرحا حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله، واحتز رأسه وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقه, وألقى جيفته في النهر الذي كان تدور بمائه رحاه وبقر بطنه، وأدخل فيه أصولا من أصول طرفاء([16]) كانت نابتة في ذلك النهر لتجس جثته في الموضع الذي ألقاه فيه، فلا يسفل فيعرف ويطلب قاتله، وما أخذ من سلبه, وهرب على وجهه.([17]) وجاء في رواية: وجاءت الترك في طلبه فوجدوه قد قتله وأخذ حاصله، فقتلوا ذلك الرجل وأهل بيته، وأخذوا ما كان مع كسرى، ووضعوا كسرى في تابوت وحملوه
إلى اصطخر([18]).

وقد ذكر الطبري حديثين مطولين، وأحدهما أطول من الآخر يتضمن ضروبا من الاضطرابات تقلب فيها، وأنواعا من الدوائر دارت عليه حتى كانت منيته آخرها.([19]) وقد قال يزدجرد لمن أراد قتله في بعض الروايات ألا يقتلوه وقال لهم: ويحكم، إنا نجد في كتبنا أن من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا، مع ما هو قادم عليه، فلا تقتلوني وائتوا بي إلى الدهقان، أو سرحوني إلى العرب فإنهم يستحيون مثلي من الملوك.([20]) وكان مُلْك يزدجرد عشرين سنة منها أربعة سنين في دعة، وباقي ذلك هاربا من بلد إلى آخر، خوفا من الإسلام وأهله، وهو آخر ملوك الفرس في الدنيا على الإطلاق.([21]) فسبحان ذي العظمة والملكوت، الملك الحق الحي الدائم الذي لا يموت، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.([22]) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملوك الفرس والروم: «إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله». ([23])

سادسًا: تعاطف النصارى مع يزدجرد بعد مقتله:

بلغ قتل يزدجرد رجلا من أهل الأهواز كان مطرانا على مرو يقال له إيلياء، فجمع من كان قبله من النصارى، وقال لهم: إن ملك الفرس قد قتل، وهو ابن شهريار بن كسرى، وإنما شهريار ولد شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقها وإحسانها إلى أهل ملتها من غير وجه، ولهذا الملك عنصر في النصرانية مع ما نال النصارى في ملك جده كسرى من الشرف. وقبل ذلك في مملكة ملوك من أسلافه من الخير، حتى بنى لهم بعض البِيَع، وسدد لهم بعض ملتهم، فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان إسلافه وجدته شيرين إلى النصارى، وقد رأيت أن أبني له ناووسا([24]), وأحمل جثته في كرامة حتى أواريها فيه، فقال النصارى: أمرنا لأمرك أيها المطران تبع، ونحن لك على رأيك هذا مواطئون، فأمر المطران فبنى في جوف بستان المطارنة بمرو ناووسا، ومضى بنفسه ومعه نصارى مرو حتى استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها، وجعلها في تابوت، وحمله من كان معه من النصارى على عواتقهم حتى أتوا به الناووس الذي أمر ببنائه له وواروه فيه، وردموا بابه([25]).

سابعًا: فتوحات عبد الله بن عامر 31 هـ:

في هذه السنة 31 هـ شخص عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس، وصالح فيها أهل مرو. وقد جاء في رواية عن السكن بن قتادة العُريني قال: فتح ابن عامر فارس ورجع إلى البصرة، واستعمل على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي، فبنى شريك مسجد إصطخر، فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم كنا نقول: إنه الأحنف -ويقال: أوس بن جابر الجشمي جُشَم تميم- فقال له: إن عدوك منك هارب، وهو لك هائب، والبلاد واسعة، فسِرْ فإن الله ناصرك ومعز دينه، فتجهز ابن عامر، وأمر الناس بالجهاز للمسير، واستخلف على البصرة زيادا، وسار إلى كرمان، ثم أخذ إلى خراسان؛ فقوم يقولون: أخذ طريق أصبهان، ثم سار إلى خراسان، واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي، وأخذ ابن عامر على مفازة وابَر، وهي ثمانون فرسخا، ثم سار إلى الطَّبَسين يريد أبرشهر، وهي مدينة نيسابور، وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فأخذ إلى قُهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيه الهباطلة، وهم أهل هراة، فقاتلهم الأحنف فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور.([26])

وجاء في رواية: نزل ابن عامر على أبرشهر فغلب على نصفها عنوة، وكان النصف الآخر في يد كناري، ونصف نساوطوس، فلم يقدر ابن عامر أن يجوز إلى مرو، فصالح كنارى، فأعطاه ابنه أبا الصلت ابن كنارى وابن أخيه سليمًا رهنًا. ووجه عبد الله بن خازم إلى هراة، وحاتم بن النعمان إلى مرو، وأخذ ابن عامر ابني كنارى، فصار إلى النعمان بن الأفقم النصري فأعتقهما([27])، وفتح ابن عامر ما حول مدينة أبرشهر، كطوس وبيورد، ونسا وحمران، حتى انتهى إلى سرخس، وسرح ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي -عدى الرباب- إلى ببهق وهو من أبرشهر، بينهما وبين أبرشهر ستة عشر فرسخا، ففتحها وقتل الأسود بن كلثوم، وكان فاضلا في دينه، وكان من أصحاب عامر بن عبد الله العنبري. وكان عامر يقول بعدما أخرج من البصرة: ما آسى من العراق على شيء إلا على ظماء الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان مثل الأسود بن كلثوم.([28]) واستطاع ابن عامر أن يتغلب على نيسابور، وخرج إلى سرخس، فأرسل إلى أهل مرو يطلب الصلح، فبعث إليهم ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلي، فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف([29]).

ثامنًا: غزوة الباب وبلنجر سنة 32هـ:

كتب عثمان بن عفان إلى سعيد بن العاص: أن اغزُ سلمان الباب، وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة وهو على الباب: أن الرعية قد أبطر كثيرا منهم البطنة، فقصر، ولا تقتحم بالمسلمين، فإني خاشٍ أن يبتلوا، فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته، وكان لا يقصر عن بلنجر، فغزا سنة تسع من إمارة عثمان حتى إذا بلغ بلنجر حصروها ونصبوا عليها المجانيق والعرادات([30])، فجعل لا يدنو منها أحد إلا أعنتوه أو قتلوه، فأسرعوا في الناس([31])، ثم إن الترك اتعدوا يوما فخرج أهل بلنجر، وتوافت إليهم الترك فاقتتلوا، فأصيب عبد الرحمن بن ربيعة (وكان يقال له ذو النورين)، وانهزم المسلمون فتفرقوا، فأما من أخذ طريق سلمان بن ربيعة فحماه حتى خرج من الباب، وأما من أخذ طريق الخزر وبلادها فإنه خرج على جيلان وجرجان وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة، وأخذ القوم جسد عبد الرحمن فجعلوه في سفط فبقى في أيديهم، فهم يستسقون به إلى اليوم ويستنصرون به.([32])

1- مقتل يزيد بن معاوية: غزا أهل الكوفة بلنجر سنين من إمارة عثمان لم تَئِم([33]) فيهن امرأة، ولم ييتم فيهن صبي من قتل، حتى كان سنة تسع من خلافة عثمان قبل المزاحفة بيومين رأى يزيد بن معاوية أن غزالا جيء به إلى خبائه لم يرَ غزالا أحسن منه حتى لف في ملحفته، ثم أتى به قبر عليه أربعة نفر لم يرقبوا أشد استواء منه ولا أحسن منه حتى دفن فيه، فلما تفادى الناس على الترك رمى يزيد بحجر، فهشم رأسه، فكأنما زين ثوبه بالدماء زينة، وليس بتلطخ، فكان ذلك الغزال الذي رأى.([34]) وكان يزيد رقيقا جميلا رحمه الله، وبلغ ذلك عثمان فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، انتكث أهل الكوفة، اللهم تب عليهم وأقبل بهم.([35])

2- ما أحسن حمرة الدماء في بياضك: كان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض: ما أحسن حمرة الدماء في بياضك، فأصيب عند الالتحام مع العدو بجراحة، فرأى قباءه كما اشتهى وقتل.([36])

3- ما أحسن لمع الدماء على الثياب: كان القرشع يقول: ما أحسن لمع الدماء على الثياب، فلما كان يوم المزاحفة قاتل القرشع حتى خُرِّق بالحراب، فكأنما كان قباؤه ثوبا أرضه بيضاء ووشيه أحمر، وما زال الناس ثبوتا حتى أصيب، وكانت هزيمة الناس مع مقتله([37]).

4- إن هؤلاء يموتون كما تموتون: كان الترك في تلك المعركة قد اختفوا في الغياض([38])، وكانوا قد خافوا المسلمين واعتقدوا أن السلاح لا يعمل فيهم، واتفق أن تركيًا اختفى في غيضة ورشق مسلمًا بسهم فقتله، فنادى في قومه إن هؤلاء يموتون، فلم تخافوهم؟ فاجترأ الترك على المسلمين وخرجوا عليهم من مكانهم وأوقعوا بهم، واشتد القتال فثبت عبد الرحمن حتى استشهد.([39])

5- صبرًا آل سلمان: جاء في رواية أخرى: حين استشهد عبد الرحمن، أخذ الراية أخوه سلمان بن ربيعة الباهلي وقاتل بها، ونادى مناد: (صبرا آل سلمان)، فقال سلمان: أو ترى جزعا، وخرج سلمان ومعه أبو هريرة الدوسي على جيلان([40]) فقطعوها إلى جرجان([41]) منسحبا من معركة خاسرة([42]), بعد أن دفن أخاه عبد الرحمن بنواحي بلنجر([43])، وبهذا الانسحاب أنقذ سلمان بقية باقية من جيش أخيه([44]).

وقد رجح هذه الرواية محمود شيت خطاب وقال: إن الانسحاب أشبه بقتال المسلمين يومئذ، وذلك في حالة اشتداد الضغط عليهم من العدو وتكبدهم خسائر فادحة بالأرواح، والانسحاب هو من أجل الانحياز إلى فئة من المسلمين، ليعيدوا الكرة ثانية على عدوهم. وقد جاء سلمان بن ربيعة مددًا لعبد الرحمن بأمر عثمان بن عفان، فليس من المعقول أن يبقى ومدده في (الباب)، وليس من المعقول أن يتركه أخوه عبد الرحمن هناك وهو يخوض معركة قاسية شرسة، يكون فيها القائد بأمسِّ الحاجة إلى الجندي الواحد، فكيف يترك عبد الرحمن جيشا كاملا على رأسه أخوه دون أن يستفيد منه في المعركة؟

إن المؤرخين القدامى كانوا يستعملون تعبير (الهزيمة) وهم يريدون بها تعبير الانسحاب؛ ذلك لأن أكثرهم مدنيون لا يفرقون بين هذين التعبيرين, (الهزيمة) وهي ترك ساحة القتال بدون نظام ولا قيادة فهي كارثة، و(الانسحاب) وهو ترك ساحة القتال وفق خطة مرسومة بقيادة واحدة، فهو -أي الانسحاب- صفحة من صفحات القتال، الهدف منه إعادة الكرة على العدو بعد إكمال متطلبات المعركة عَدَدًا وعُدَدًا، وعسى ألا يقع المؤرخون المحدثون في مثل هذا الخطأ في التعبير، فلا يفرقون بين (الهزيمة) و(الانسحاب)؛ لأن الفرق بين التعبيرين شاسع بعيد([45]).

تاسعًا: أول اختلاف وقع بين أهل الكوفة وأهل الشام 32 هـ:

لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة استعمل سعيدُ بن العاص على ذلك الفرع سلمانَ بن ربيعة، وأمدهم عثمان بأهل الشام عليهم حبيب بن مسلمة، فتنازع حبيب وسلمان على الإمرة، وقال أهل الشام: لقد هممنا بضرب سلمان، فقال في ذلك الناس: إذن والله نضرب حبيبًا ونحبسه، وإن أبيتم كثرت القتلى فيكم وفينا، حتى قال في ذلك رجل من أهل الكوفة وهو أوس بن مغراء:

إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم     وإن ترحلوا نحو ابن عفان نَرْحَل
وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا      وهذا أمير في الكتائب مُقْبل
ونحن ولاةُ الثغر كنا حُمَاته     ليالي نرمي كل ثغر وننكل([46])


وتغلب المسلمون على الفتنة بتوفيق الله ثم بوجود أمثال حذيفة بن اليمان، الذي كان على الغزو بأهل الكوفة، فقد غزا ذلك الثغر ثلاث غزوات، فقتل عثمان في الثالثة.([47])

عاشرًا: فتوحات ابن عامر سنة 32 هـ:

وفيها فتح ابن عامر مرو الروذ، والطالقان والفارياب، والجوزجان، وطخارستان؛ فقد بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو روذ فحصر أهلها، فخرجوا إليهم فقاتلوهم، فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصنهم فأشرفوا عليه، قال: يا معشر العرب، ما كنتم عندنا كما نرى، ولو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه، فأمهلونا ننظر يومنا، وارجعوا إلى عسكركم، فرجع الأحنف، فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له الحرب، فخرج رجل من العجم معه كتاب من المدينة، فقال: إني رسول فأمنوني، فأمنوه، فإذا رسول من مرزبان مرو ابن أخيه وترجمانه، وإذا كتاب المرزبان إلى الأحنف، فقرأ الكتاب، قال: فإذا هو إلى أمير الجيش، إنا نحمد الله الذي بيده الدول، يغير ما شاء من الملك، ويرفع من شاء بعد الذلة، ويضع من شاء بعد الرفعة، إنه دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدي، وما كان رأي من صاحبكم من الكرامة والمنزلة، فمرحبا بكم وأبشروا، وأنا أدعوكم إلى الصلح فيما بينكم وبيننا، على أن أؤدي إليكم خراجا ستين ألف درهم، وأن تقروا بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي أكلت الناس، وقطعت السبيل من الأرضين والقرى بما فيها من الرجال، ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئا من الخراج، ولا تخرج المرزبة([48]) من أهل بيتي إلى غيركم، فإن جعلت ذلك لي خرجت إليك، وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك.

فكتب إليه الأحنف: بسم الله الرحمن الرحيم، من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرو روذ ومن معه من الأساورة والأعاجم، سلام على من اتبع الهدى، وآمن واتقى، أما بعد: فإن ابن أخيك ماهك قدم عليَّ، فنصح لك جهده، وأبلغ عنك، وقد عرضت ذلك على من معي من المسلمين, وأنا وهم فيما عليك سواء، وقد أجبناك إلى ما سألت وعرضت على أن تؤدي على أكرَتِك([49]) وفلاحيك والأرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه أقطع جد أبيك لما كان من قتله الحية التي أفسدت الأرض وقطعت السبيل، والأرض لله ولرسوله يورثها من يشاء من عباده، وإن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة، إن أحب المسلمون ذلك وأرادوه، وإن لك على ذلك نصرة المسلمين على من يقاتل من وراءك من أهل ملتك, جار لك بذلك مني كتاب يكون لك بعدي، ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوي الأرحام، وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك من المسلمين العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم، ولك بذلك ذمتي وذمة أبي وذمم المسلمين وذمم آبائهم، شهد على ما في هذا الكتاب جزء بن معاوية، أو معاوية بن جزء السعدي، وحمزة بن الهرماس, وحميد بن الخيار المازنيان، وعياض بن ورقاء الأسيدي، وكتب كيسان مولى بني ثعلبة يوم الأحد من شهر المحرم، وختم أمير الجيش الأحنف بن قيس، ونقش خاتم الأحنف نعبد الله([50]).

حادي عشر: القتال بين جيش الأحنف وأهل طخارستان والجوزجان والطالقان والفارياب:

صالح ابن عامر أهل مرو، وبعث الأحنف في أربعة آلاف إلى طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الأحنف من مرو روذ، وجمع له أهل طخارستان، وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب، فكانوا ثلاثة زحوف، ثلاثين ألفا، وأتى الأحنف خبرهم وما جمعوا له، فاستشار الناس فاختلفوا فبين قائل: نرجع إلى مرو، وقائل: نرجع إلى أبرشهر، وقائل: نقيم نستمد، وقائل: نلقاهم فنناجزهم، فلما أمسى الأحنف خرج يمشي في العسكر، ويستمع حديث الناس، فمر بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة([51]), أو يعجن، وهم يتحدثون ويذكرون العدو، فقال بعضهم: الرأي للأمير أن يسير إذا أصبح، حتى يلقى القوم حيث لقيهم، فإنه أرعب لهم فيناجزهم، فقال صاحب الخزيرة أو العجين: إن فعل ذلك فقد أخطأ وأخطأتم، أتأمرونه أن يلقى حد العدو مصحرا في بلادهم، فيلقى جمعا كثيرا بعدد قليل، فإن جالوا جولة اصطلمونا([52])، ولكن الرأي له أن ينزل بين المرغاب والجبل، فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، فلا يلقاه من عدوه وإن كثروا إلا عدد أصحابه، فرجع الأحنف وقد اعتقد ما قال فضرب عسكره، وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن يقاتلوا معه، فقال: إني أكره أن أستنصر بالمشركين، فأقيموا على ما أعطيناكم وجعلنا بيننا وبينكم، فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا لكم وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم، فوافق المسلمين صلاة العصر، فعاجلهم المشركون فناهضوهم، فقاتلوهم وصبر الفريقان حتى أمسوا والأحنف يتمثل بشعر ابن جُؤيَّة الأعرجي:

أحقُّ من لم يكره المنية     حزوَّرٌ([53]) ليس له ذرية([54])

وجاء في رواية: فقاتلهم حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم الله، فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى رَسْكن -وهي على اثنى عشر فرسخا من قصر الأحنف-. وكان مرزبان مرو روذ قد تربص بحمل ما كانوا صالحوه عليه، لينظر ما يكون من أمرهم، فلما ظفر الأحنف سرح رجلين إلى المرزبان، وأمرهما ألا يكلماه حتى يقبضاه, ففعلا، فعلم أنهم لم يصنعوا ذلك به إلا وقد ظفروا، فحمل ما كان عليه([55]), وبعث الأحنف الأقرع بن حابس في جريدة خيل([56]) إلى الجوزجان حيث بقية كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الأحنف، فقاتلهم فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم، ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم، فقال كُثير النهشلي:

سقى مزنُ السحاب إذا استهلت([57])      مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رُسْتاق خُوط      أقادهم هناك الأقرعان([58])


ثاني عشر: صلح الأحنف مع أهل بلخ 32 هـ:

سار الأحنف من مرو الروذ إلى بلخ فحاصرهم، فصالحه أهلها على أربعمائة ألف، فرضي منهم بذلك، واستعمل ابن عمه، وهو أسيد بن المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه، ومضى إلى خارزم فأقام حتى هجم عليه الشتاء، فقال لأصحابه: ما تشاءون؟ فقالوا: قد قال عمر بن معد يكرب:

إذا لم تستطع أمرًا فدعه      وجاوزه إلى ما تستطيع


فأمر الأحنف بالرحيل، ثم انصرف إلى بلخ، وقد قبض ابن عمه ما صالحهم عليه، وكان وافق -وهو يجيبهم- المهرجان، فأهدوا إليه هدايا من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب، فقال ابن عم الأحنف: هذا ما صالحناكم عليه؟ قالوا: لا، ولكن هذا شيء نصنعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطفه به، قال: وما هذا اليوم؟ قالوا: المهرجان، قال: ما أدري ما هذا؟ وإني لأكره أن أرده ولعله من حقي، ولكن أقبضه وأعزله حتى أنظر فيه، فقبضه، وقدم الأحنف فأخبره، فسألهم عنه، فقالوا له مثل ما قالوا لابن عمه، فقال: آتى به الأمير، فحمله إلى ابن عامر، فأخبره عنه، فقال: اقبضه يا أبا بحر، فهو لك؟ قال: لا حاجة لي فيه، فقال ابن عامر: ضمه إليك يا مسمار، فضمه القرشي وكان مضَمًّا.([59])

ثالث عشر: لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا من موقفي هذا:

ولما رجع الأحنف إلى ابن عامر قال الناس لابن عامر: ما فتح على أحد ما قد فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان، قال: لا جرم، لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا من موقفي هذا، فأحرم بعمرة من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على إحرامه من خراسان، وقال: ليتك تضبط ذلك من الوقت الذي يحرم منه الناس([60]).

رابع عشر: هزيمة قارِن في خراسان.

لما رجع ابن عامر من الغزو استخلف قيس بن الهيثم على خراسان، فأقبل قارن في جمع من الترك، أربعين ألفا، فالتقاه عبد الله بن خازم السلمي في أربعة آلاف، وجعل لهم مقدمة ستمائة رجل، وأمر كلا منهم أن يجعل على رأس رمحه نارا، وأقبلوا إليهم في وسط الليل فبيتوهم فثاروا إليهم, فناوشتهم المقدمة، فاشتغلوا بهم وأقبل عبد الله بن خازم بمن معه من المسلمين فأحاطوا بهم، فولى المشركون مدبرين، واتبعهم المسلمون يقتلون من شاءوا وقتل قارن فيمن قتل، وغنموا سبيًا كثيرا، وأموالا جزيلة، ثم بعث عبد الله بن خازم بالفتح إلى ابن عامر، فرضي عنه وأقره على خراسان، وذلك أنه كان قد احتال على الوالي السابق قيس بن الهيثم السلمي حتى أخرجه من خراسان، ثم تولى حرب قارن، فلما هزمه وغنم عسكره، رضي عليه ابن عامر، وأقره على ولاية خراسان([61]).

وهكذا تصدى الخليفة الراشد عثمان لحركات التمرد في المشرق، وواصل فتوحاته، ولم تفتّ تلك الثورات في عضد المسلمين، ولم تنل من عزم الخليفة الذي كان كُفئًا لها؛ حيث واجهها بالعزم والرأي والسرعة في تصريف الأمور، وتسيير النجدات، وإسناد كل عمل إلى من يحسنه كما يظهر من تتبع الأحداث في تاريخ الطبري وابن كثير والكلاعي، بما لا يدع شكًا في أن اختيار عثمان للقادة الذين قاموا بهذه الانتصارات وتطويق هذه القلاقل كان اختيارا موفقا، مع العلم أن أعباء الجهاد كانت أشق وأكبر وأحوج إلى التوجيه؛ لامتداد خطوط القتال، وتعدد الفتن، وتباعد المسافات بين البلدان.

إن علاج تلك المعضلات التي فاجأت عثمان بعد ولايته، وتصدى لها بالعزم والسداد والسرعة والحيطة والأناة لدليل على قوة شخصيته ونفاذ بصيرته، وكان له بعد ذلك أكبر الفضل -بعد الله- في تثبيت مهابة الدولة بعدما أصابها من الوهن والتخلخل عند مقتل عمر t، وكانت ثمرات تلك الوقفات الرائعة:

أ- إخضاع المتمردين وإعادة سلطة المسلمين عليهم.

ب- ازدياد الفتوحات الإسلامية إلى ما وراء البلاد المتمردة؛ منعا لارتداد الهاربين إليها، وانبعاث الفتن والدسائس من قِبَلها.

ج- اتخاذ المسلمين قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلاد التي خضعت للمسلمين.

فهل كانت تلك الفتوحات العظيمة والسياسة الحكيمة والضبط للأقاليم يمكن أن تتحقق لو كان عثمان ضعيفا غير قادر على اتخاذ القرار([62]), كما يزعم من وقع وتورط في روايات الرفض والتشيع والاستشراق، ومن سار على نهجهم السقيم؟!!.

خامس عشر: من قادة فتح بلاد المشرق في عهد عثمان: الأحنف بن قيس:

كانت الفتوحات في عهد عثمان عظيمة، فرأيت من المناسب أن نسلط الأضواء على بعض قادة الفتوح في عهد عثمان، وبما أنني تحدثت عن فتوح المشرق، فلا بد إذن من إعطاء صورة مشرقة عن أحد قادة تلك الفتوح، فاخترت الأحنف بن قيس.

1- نسبه وأهله:

هو أبو بحر، الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة التميمي([63])، واسمه الضحاك وقيل: صخر.([64]) وأمه حبَّة بنت عمرو بن قُرْط الباهلية([65]), كان أخوها الأخطل بن قرط من الشجعان، وقد قال الأحنف مفاخرا بخاله هذا: ومن له خال مثل خالي؟([66])

2- حياته:

كان من سادات التابعين وأكابرهم، وسيدا مطاعا في قومه([67])، وسيد أهل البصرة([68])، وكان موضع ثقة الناس جميعا بمختلف طبقاتهم وأهوائهم وميولهم، وكان أحد الحكماء الدهاة العقلاء([69])، ذا دين وذكاء وفصاحة([70])، وكان سيد قومه موصوفا بالعقل والدهاء والعلم والحلم، يضرب بحلمه المثل، وقد قال فيه الشاعر:

إذا الأبصار أبصرت ابن قيس      ظللن مهابة منه خشوعا([71])


وقال عنه خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.([72]) وإليك بعض صفاته التي أثرت فيمن حوله:

أ- حلمه:

كان الأحنف حليما يضرب بحلمه المثل، سئل عن الحلم: ما هو؟ فقال: الذل مع الصبر. وكان يقول إذا عجب الناس من حلمه: إني لأجد ما تجدون، ولكني صبور، ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم المنقري([73])؛ لأنه قتل ابن أخ له بعض بنيه، فأتى القاتل مكتوفا يقاد إليه، فقال: ذعرتم الفتى، ثم أقبل على الفتى فقال: بئس ما فعلت، نقصت عددك وأوهنت عضدك، وأشمت عدوك، وأسأت لقومك، خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته فإنها غريبة، ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته ولا تغير وجهه.([74]) وقال رجل للأحنف: علمني الحلم يا أبا بحر، فقال: هو الذل يا ابن أخي، أفتصبر عليه؟ وقال: لست حليما ولكنني أتحالم.([75]) ومن أخبار حلمه، أن رجلا شتمه فسكت عنه، وأعاد الرجل فسكت عنه، وأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: والهفاه، ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عنده.([76]) وكان يقول: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه.([77]) ولكن حلمه كان حلم القوي القدير لا حلم العاجز الضعيف، فقد قاتل في بعض المواطن قتالا شديدا، فقال له رجل: يا أبا بحر أين الحلم؟ فقال: عند الحي([78]).

ب- عقله:

كان الأحنف عاقلا راجح العقل، قال مرة: من كان فيه أربع خصال ساد قومه غير مدافع: من كان له دين يحجزه، وحسب يصونه، وعقل يرشده، وحياء يمنعه([79]).

وقال: العقل خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير رفيق.([80]) وقال: ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي. وكان يقول إذا ذكر عنده رجل: دعوه يأكل رزقه ويأتي عليه أجله.([81]) وشكا ابن أخيه وجع الضرس فقال: ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة ما ذكرتها لأحد.([82]) وقال: ما نازعني أحد فوقي إلا عرفت له قدره، ولا كان دوني إلا رفعت قدري عنه، ولا كان مثلي إلا تفضلت عليه([83]).

ج- علمه:

كان عالما ثقة مأمونا، قليل الحديث، وقد روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري.([84]) وروى عنه الحسن البصري وعروة بن الزبير وغيرهما.([85]) وقد كان من الفقهاء البارزين أيام معاوية.

د- حكمته:

كان حكيما ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة، سئل عن المروءة، فقال: التقى والاحتمال، ثم أطرق ساعة وقال:

وإذا جميل الوجه لم      يأتِ الجميل فما حماله؟
ما خير أخلاق الفتى      إلا تقاه واحتماله


وسئل عن المروءة فقال: العفة في الدين، والصبر على النوائب، وبر الوالدين، والحلم عند الغضب، والعفو عند المقدرة([86]).

وقال: رأس الأدب آلة المنطق، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا منظر إلا بمخبر، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في فقه إلا بورع، ولا في صدقة إلا بنية.([87])

وقال: أحي المعروف بإماتة ذكره.([88]) وقال: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئا عرف به.([89]) وقال: جنبوا مجلسنا الطعام والنساء؛ فإني لأبغض الرجل يكون وصافا لفرجه وبطنه، وإن المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه([90]).

وقال: السؤدد مع السواد. يريد: من لم يطر له اسم على ألسنة العامة بالسؤدد لم ينفعه ما طار له في الخاصة([91]).

هـ- بلاغته:

كان فصيحا مفوَّها([92])، خطب مرة فقال: بعد حمد الله والثناء عليه: يا معشر الأزد وربيعة: أنتم إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الصهر، وأشقاؤنا في النسب، وجيراننا في الدار، ويدنا على العدو، والله لأزد البصرة أحب إلينا من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحب إلينا من تميم الشام، فإن استشرف شنان حسد صدوركم، ففي أحلامنا وأموالنا سعة لنا ولكم([93]).

لقد كان حاضر البديهة قوي الحجة منطقيا، جاء الأحنف إلى قوم يتكلمون في دم فقال: احكموا، فقالوا: نحكم بديتين، فقال: ذلك لكم، فلما سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتم, غير أني قائل لكم شيئا: إن الله -عز وجل- قضى بدية واحدة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية واحدة، وأنتم اليوم طالبون، وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين، فلا يرضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم لأنفسكم، فقالوا: نردها دية واحدة([94]).

وسمع الأحنف رجلا يقول: ما أبالي أمدحت أم ذممت، فقال له: لقد استرحت من حيث تعب الكرام([95]).

و- إيثاره:

كان الأحنف يحب لغيره ما يحبه لنفسه، بل كان يؤثر غيره على نفسه بالخير والمعروف, ويرضى نفسه الرضية المطمئنة إلى ما أصاب غيره بجهده من خير، فعندما جاء الأحنف إلى عمر في المدينة، عرض أمير المؤمنين عليه جائزة، فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما قطعنا الفلوات ودأبنا الروحات والعشيات للجوائز، وما حاجتي إلا حاجة من خلفي، فزاده ذلك عند عمر خيرا([96]).

ز- أمانته:

كان الأحنف أمينا غاية الأمانة، وقد مر بنا عندما استعمل ابن عمه على أهل بلخ، وقد قبض ابن عمه ما صالحوه عليه من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب، فقال ابن عمه لهم: هذا ما صالحناكم عليه؟ فقالوا: لا، ولكن هذا شيء نضعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطف به، قال: وما هذا اليوم؟ فقالوا: المهرجان.([97]) فقال: ما أدري ما هذا، وإني لأكره أن أرده ولعله من حقي، ولكن أقبضه وأعزله حتى أنظر، فقبضه, وقدم الأحنف فأخبره، فسألهم عنه، فقالوا مثل ما قالوا لابن عمه، فقال: آتي به الأمير، فحمله إلى عبد الله ابن عامر فأخبره عنه، فقال: اقبضه يا أبا بحر فهو لك، فقال الأحنف: لا حاجة لي فيه.([98]) لقد كان يتحرج حتى من الهدايا، وكان يكتفي بسهمه من الغنائم.([99])

ح- أَنَاته:

كان الأحنف شديد الأناة، لا يقدم على عمل إلا بعد أن يحسب له ألف حساب. قيل له: يا أبا بحر, إن فيك أناة شديدة، فقال: قد عرفت من نفسي عجلة في أمور ثلاثة: في صلاتي إذا حضرت حتى أصليها، وجنازتي إذا حضرت حتى أغيبها في حفرتها، وابنتي إذا خطبها كفيئها حتى أزوجه([100]).

ط- ورعه:

كان الأحنف مؤمنا ورعا قوي الإيمان، فقد سارع إلى اعتناق الإسلام أول ما بلغته الدعوة الإسلامية، وأسلم قومه بإشارته([101]), وبسط حمايته القوية الأمينة على الدعاة الأولين([102])، وثبت على عقيدته عندما ارتد أكثر قومه وأكثر العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاهد للدفاع عنها ونشرها حق الجهاد، وأبلى في ذلك أعظم البلاء. قال الحسن البصري عنه: ما رأيت شريف قوم أفضل منه.([103]) قال الأحنف: حبسني عمر بن الخطاب عنده بالمدينة سنة، يأتيني كل يوم وليلة فلا يأتيه عني إلا ما يحب.([104]) فكتب عمر بعد نجاح الأحنف في الاختبار العمري -وما أصعبه وأدقه من اختبار- معه كتبًا إلى الأمير على البصرة يقول: الأحنف سيد أهل البصرة.([105]) وكتب إلى موسى الأشعري أن يشاور الأحنف ويسمع منه،([106]) وقال له عمر بعد أن حبسه حولا عنده: يا أحنف، قد بلوتك وخبرتك، فلم أر إلا خيرا، ورأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك([107]).

لقد كان الأحنف رجلا صالحا كثير الصلاة بالليل، وكان يسرج المصباح ويصلي ويبكي حتى الصباح، وكان يضع أصبعه في المصباح ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على المصباح، فكيف تصبر على النار الكبرى.([108]) وقيل له: إنك تكثر الصوم وإن ذلك يرق المعدة، فقال: إني أعده لسفر طويل.([109]) واستعمل الأحنف على (خراسان) فلما أتى فارس أصابته جنابة في ليلة باردة، فلم يوقظ أحدا من غلمانه ولا جنده، وانطلق يطلب الماء، فأتى على شوط وشجر حتى سالت قدماه دمًا، فوجد الثلج فكسره واغتسل.([110]) وكان قلما خلا إلا دعا بالمصحف، وكان النظر في المصاحف خلقا في الأولين.([111]) وكان في دعائه: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك، وإن تعذبني فأنا أهل ذاك.([112]) ومن دعائه: اللهم هب لي يقينا تهون به علىَّ مصيبات الدنيا.([113]) ومرت به جنازة فقال: رحم الله من أجهد نفسه لمثل هذا اليوم.([114]) وكان يقول: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر([115]).

هذه بعض صفات شخصية الأحنف، استحوذ بها على ثقة الناس به وحبهم وتقديرهم له، وهذه الصفات تجعل من يتحلى بها شخصية قوية نافذة يندر وجودها بين الناس في كل زمان ومكان، وقلما يجود بها الدهر إلا نادرا.([116])

لقد كان الأحنف من قادة الفتوحات في عهد عثمان t، وقد تميز في قيادته لجيوش الفتح لبلاد المشرق بقدرته على إعداد الخطط الصحيحة الناجحة، وإعطاء القرارات السريعة الصائبة، كما كان لشجاعته الشخصية وإقدامه أثر كبير في وضع تلك الخطط والقرارات في حيز التنفيذ، لقد كان يبذل قصارى جهده في إعداد خططه العسكرية وإعطاء ذوي الرأي، بل يتجول سرًّا في الليل بين عامة رجاله يتسمع أحاديثهم، فإذا وجد رأيا سديدا يبدونه فيما بينهم سارع إلى العمل به، لا يهمه أن يأخذ الحكمة من أي وعاء، وقد كان هذا القائد الميداني في عهد عثمان يقاتل عدوه بسيفه وعقله معًا؛ فقد كان على جانب عظيم من الشجاعة والإقدام، حتى إنه كان يستأثر بالخطر دون رجاله، ويؤثرهم بالراحة والأمن، كما كان على جانب عظيم من الدهاء، فيوفر بدهائه على قواته كثيرًا من الجهود والمشقات.([117])

لقد كان الأحنف رجلا في أمة, وأمة في رجل، إنه سيد أهل المشرق المسمى بغير اسمه، كما كان يقول عنه عمر بن الخطاب t([118]).

لقد أطنبت في الحديث عن الأحنف لأنه من ضمن قادة الفتوح في عهد عثمان، وممن أسهم في صناعة الحياة في عصر الخليفة الراشد الثالث الذي وجهت إليه سهامهم الكاذبة في ولاته وقادة حربه.




([1]) تاريخ الطبري (5/246).

([2]) الخلافة والخلفاء الراشدون، ص224.

([3]) أجلبت: تجمعت للحرب.

([4]،3 ) تاريخ الطبري (5/247).

([6]) عثمان بن عفان، صادق عرجون، ص201.

([7]) تاريخ الطبري (5/270).

([8]) المصدر نفسه (5/271).

([9]) المصدر نفسه (5/288).

([10]) الأرحاء: جمع رحا: الطاحون. (2) المرغاب: نهر بمرو.

([12]) تاريخ الطبري (5/295). (4) نذر: علم.

([14]) كالا: متعبا. (6) لغبا: متعبا أشد التعب.

([16]) طرفاء: شجر.

([17]) خلافة عثمان، للسلمي، ص57.

([18]) تاريخ الطبري (5/297). (2) الاكتفاء، للكلاعي (4/417).

([20]) المصدر نفسه (4/418), تاريخ الطبري (5/302).

([21]) خلافة عثمان، د. السلمي، ص57.

([22]) الاكتفاء للكلاعي (4/419).

([23]) مسلم في الفتن، رقم (2918، 2919).

([24]) الناووس: حجر منقور تجعل فيه جثة الميت.

([25]) تاريخ الطبري (5/304).

([26]) المصدر نفسه (5/305).

([27]) المصدر نفسه (5/306).

([28]) تاريخ الطبري (5/307).

([29]) المصدر نفسه (5/307).

([30]) العرادة: آلة حربية كالمنجنيق، ترمي بالحجارة المرمى البعيد لدك الحصون.

([31]) تاريخ الطبري (5/308).

([32]) المصدر نفسه (5/309).

([33]) لم تئم امرأة: لم تفقد زوجها.

([34]) تاريخ الطبري (5/310). الذي رأى: أي في نومه.

([35]) المصدر نفسه (5/311).

([36]، 4) المصدر نفسه (5/310).

([38]) الغياض: جمع غيضة، وهي المواضع التي يكثر فيه الشجر ويلتف.

([39]) قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، محمود خطاب، ص151.

([40]) جيلان: اسم لبلاد كثيرة من وراء بلاد طبرستان.

([41]) جرجان: مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان.

([42]) تاريخ الطبري (5/309), قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، ص151.

([43]) معجم البلدان (2/278).

([44]) قادة الفتح الإسلامي في أرمينية، ص151.

([45]) المصدر نفسه، ص152، 153.

([46]) تاريخ الطبري (5/311)، البداية والنهاية (7/166).

([47]) تاريخ الطبري (5/311).

([48]) المرزبة: الرئاسة عند العجم، والمرزبان: الرئيس المقدم فيهم.

([49]) الأكرة: جمع أكار: الحراث.

([50]) تاريخ الطبري (5/316).

([51]) الخزيرة: الحساء من الدسم والدقيق.

([52]) اصطلم: اقتلعه من أصله.

([53]) الحزوَّر: الغلام القوي.

([54], 3) تاريخ الطبري (5/317).

([55]) تاريخ الطبري (5/317).

([56]) جريدة الخيل: كتيبة الخيل التي لا رجالة فيها.

([57]) استهلت السحابة: أمطرت واشتد مطرها.

([58]) تاريخ الطبري (5/318).

([59]) تاريخ الطبري (5/319).

([60]) البداية والنهاية (7/167)، تاريخ الطبري (5/319).

([61]) البداية والنهاية (7/167).

([62]) تحقيق مواقف الصحابة (1/408، 409).

([63]) جمهرة أنساب العرب، ص217, طبقات ابن سعد (7/95).

([64]، 3) قادة فتح السند وأفغانستان، محمود خطاب، ص285.

([66]) جمهرة أنساب العرب، ص212.

([67]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص285.

([68]) الإصابة (1/103)، أسد الغابة (1/55).

([69]، 8، 9) قادة فتح السند وأفغانستان، ص304.

([72]) تهذيب ابن عساكر (7/13).

([73]) الاستيعاب (3/1294).

([74]) وفيات الأعيان (2/188).

([75]، 3، 4) قادة فتح السند وأفغانستان، ص306.

([78]) المصدر نفسه، ص306، يعني بها: تركته في الدار.

([79]) المصدر نفسه، ص306. (7) تهذيب ابن عساكر (7/19).

([81]) المصدر نفسه (7/21). (9) المصدر نفسه (7/16).

([83]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص307.

([84]) طبقات ابن سعد (7/93).

([85]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص308.

([86]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص308.

([87]) تهذيب ابن عساكر (7/19، 20).

([88]) البداية والنهاية (7/331).

([89]) وفيات الأعيان، لابن خلكان (2/187).

([90]) وفيات الأعيان (2/188).

([91]، 7، 8) قادة فتح السند وأفغانستان، ص309.

([94]،2) وفيات الأعيان (2/188). (3) تهذيب ابن عساكر (7/12).

([97]) المهرجان: أحد أعياد الفرس. (5) تاريخ الطبري (5/319).

([99]) قادة فتح السند وأفغانستان، محمود خطاب، ص313.

([100]) طبقات ابن سعد (7/96).

([101]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أبو الفلاح عبد الحي (1/78).

([102]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص314. (4) البداية والنهاية (7/331).

([104]،6) قادة فتح السند وأفغانستان، ص314. (7) تهذيب ابن عساكر (7/12).


([107]) طبقات ابن سعد (7/94). (9) البداية والنهاية (7/331).

([109]) طبقات ابن سعد (7/94)، قادة فتح السند وأفغانستان، ص315.

([110]) طبقات ابن سعد (7/94).

([111]) طبقات ابن سعد، (7/95).

([112]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص315، ترجمة الأحنف لخصتها من هذا الكتاب القيم مع الرجوع لبعض المصادر.

([113]، 4) تهذيب ابن عساكر (7/16). (5) البداية والنهاية (7/331).


([116]) قادة فتح السند وأفغانستان، ص316. (7) المصدر نفسه، ص320.

([118]) المصدر نفسه، ص322.


 

سيرَة عُثمَان بْنُ عَفان رضيَ اللهُ عَنه شخصيّته وعَصْره للشيخ علي محمد الصلابي