باب نواقض الوضوء
 
باب نواقض الوضوء


وهي سبعة: الخارج من السبيلين



(وهي سبعة:

أحدها: الخارج من السبيلين) قليلاً كان أو كثيراً، وهو نوعان: معتاد كالبول والغائط فينقض بغير خلاف قاله ابن عبد البر، قال الله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] والثاني نادر كالدود والشعر والحصى فينقض لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمستحاضة: «توضئي لكل صلاة» رواه أبو داود، ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيلين أشبه المعتاد.

ص : 40



والخارج النجس من سائر البدن إذا فحش، وزوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً، ولمس الذكر بيده



(الثاني خروج النجاسات من سائر البدن) وذلك نوعان: غائط وبول فينقض قليله وكثيره لدخوله في عموم النص [وهو من سائر البدن] المذكور، والثاني: دم وقيح فينقض كثيره [لا الصديد] لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة: «إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي، علل بكونه دم عرق وهذا كذلك، ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل، ولا ينقض يسيره، لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة، قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه: ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملاً، وابن عباس قال: إذا كان فاحشاً [فإنه ينقض] ، وابن المسيب أدخل أصابعه العشر أنفه فأخرجها ملطخة بالدم وهو في الصلاة، ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.

ص : 41



(الثالث زوال العقل) وهو نوعان:

أحدهما: النوم لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أبو داود، ولقول صفوان: لكن من بول وغائط ونوم، ولأن النوم هو مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظنات، ولا يخلو من أربعة أحوال:
أحدها: أن يكون مضطجعاً [على شقه] أو متكئاً [أو مستلقيا] أو معتمداً على شيء فينقض قليله وكثيره للخبر، [وعنه في المسند: والمحتبي إذا كثر، فمفهومه أنه لا ينقض اليسير ذكرها القاضي في الوجهين]
والثاني: أن يكون جالساً غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روى أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعوداً ثم يصلون ولا يتوضأون، رواه مسلم، ولأنه يشق التحرز منه وأكثر وجوده في منتظري الصلاة فعفي عنه، وإن كثر نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه،
الثالث: القائم، فيه روايتان: أولاهما: إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه، والثانية: ينقض يسيره لأنه لا يتحفظ تحفظ الجالس،
الرابع: الراكع والساجد فيه روايتان: أولاهما: أنه كالمضطجع [لأن ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ أشبه المضطجع] ، والثانية: أنه كالجالس، لأنه على [حال من] أحوال الصلاة أشبه الجالس، والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف والعادة.

النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر فينقض الوضوء لأنه لما نص على النقض بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء، لأنها أبلغ في إزالة العقل، ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير، لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه.

(الرابع لمس الذكر بيده) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرجل يمس فرجه وهو في الصلاة قال: " وهل هو إلا بضعة منك» رواه أبو داود [وصححه الطحاوي وغيره وضعفه الشافعي وأحمد، قال أبو زرعة: قيس لا تقوم بروايته حجة، وقيل منسوخ] ، والثانية: ينقض لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه أبو داود، قال أحمد هو حديث صحيح، وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق، لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخاً له، وسواء مسه ببطن الكف أو بظهره، ولأن أبا هريرة روى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما ستر فليتوضأ» رواه أحمد في مسنده، واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لأنه لما قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] في حق السارق تناول ذلك لا غير.

ص : 42





مسألة 97: ولا ينقض اللمس بالذراع لأنه ليس من اليد، الرواية الثالثة إن قصد إلى مسه نقض، ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض من غير قصد كلمس النساء.

وأن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة



(الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى) وفيه ثلاث روايات: إحداهن: ينقض بكل حال لقوله سبحانه: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] والثانية: لا ينقض بحال لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ» ، رواه أبو داود، و [قال: هو مرسل] لأنه يرويه إبراهيم النخعي عن عائشة ولم يسمع منها، وقالت عائشة: «فقدت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد» ، رواه مسلم، ولو بطل وضوؤه لفسدت صلاته، والرواية الثالثة: وهي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان (لشهوة) ولا ينقض لغير شهوة جمعاً بين الآية والخبر، ولأن اللمس ليس بحدث إنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث كالنوم ولا فرق [في اللمس] بين الصغيرة والكبيرة وذات المحرم وغيرها لعموم الدليل فيه.

والردة عن الإسلام، وأكل لحم الجزور، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأوا منها، قيل: أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ



(السادس الردة عن الإسلام) وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] والطهارة عمل، ولأن الردة حدث لقول ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان، فيدخل في عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه، ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم.

(السابع أكل لحم الجزور) لما روى جابر بن سمرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل» رواه مسلم، قال أحمد: حديثان صحيحان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة.

ص : 43


(98) ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما



مسألة 98: (ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه هل خرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» متفق عليه، ولأن اليقين لا يزول بالشك.

ص : 44


الموضوع التالي


باب الغسل من الجنابة

الموضوع السابق


باب مسح الخفين