باب من يجوز دفع الزكاة إليه
 
باب من يجوز دفع الزكاة إليه

(66) وهم ثمانية: الأول: الفقراء، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعًا من كفايتهم بكسب ولا غيره، الثاني: المساكين، وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية، الثالث: العاملون عليها، وهم السعاة عليها ومن يحتاج إليه فيها)

مسألة 66: (وهم ثمانية) أصناف التي سمى الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] ، ولا يجوز صرفها إلى غيرهم لأن الله سبحانه خصهم بها بقوله: (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه. فأما (الفقراء والمساكين) فهم صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته لمؤنة نفسه، والفقراء أشد حاجة لأن الله سبحانه بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله سبحانه قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعاذ من الفقر وقال: «اللهم أحيني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين» رواه الترمذي، فدل على أن الفقر أشد، فالفقير من ليس له ما يقع موقعًا من كفايته من كسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهم ما تتم به كفايته.

(الثالث: العاملون عليها وهم الجباة والحافظون لها ومن يحتاج إليه فيها) وينبغي للإمام إذا تولى القسمة أن يبدأ بالعامل فيعطيه عمالته لأنه يأخذ عوضًا، فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة.



ص : 154


(الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين يرجى بعطيتهم دفع شرهم أو قوة إيمانهم أو دفعهم عن المسلمين أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع من دفعها. الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون وإعتاق الرقيق


(الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها والدفع عن المسلمين) وهم ضربان: كفار، ومسلمون. فالكافر يعطى رجاء إسلامه أو خوف شره، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيبًا له في الإسلام، «قال صفوان: أعطاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ» ، رواه مسلم. وأما المسلمون فقوم لهم شرف ويرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، فيعطون لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهم وحسن نيتهم.

(الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون) يعطون ما يؤدونه في كتابتهم، ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة، لأن الأصل عدمها.



السادس: الغارمون، وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباح (أو لإصلاح بين طائفتين من المسلمين.


(السادس: الغارمون، وهم المدينون) وهم ضربان: ضرب غرم (لمصلحة نفسه) [في مباح] فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه، ولا يعطى مع الغنى؛ لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير. الثاني: غرم لإصلاح ذات البين، كمن يتحمل دية أو مالًا لا يجوز دفعها إلى غيرهم لتسكين فتنة (وإصلاح بين طائفتين) فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنيًا، لحديث «قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسأله فيها فقال: "أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» الحديث، أخرجه مسلم، ولأنه يأخذ لنفع المسلمين فجاز مع الغنى كالساعي.

السابع: في سبيل الله، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم.


(السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) يعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرسانًا، ويعطون مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين، ولا يعطى الراتب في الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.

الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر المنقطع به وإن كان ذا يسار في بلده. فهؤلاء هم أهل الزكاة،


(الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به) دون المنشئ للسفر من بلده (وله اليسار في بلده) فيعطى من الصدقة ما يبلغه إليه لإيابه (فهؤلاء أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم) لما سبق.


مسألة 67: ويجوز أن يفك منها أسيرًا مسلمًا كفك رقبة العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ على روايتين: إحداهما: يجوز لأنها من الرقاب، فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها. والأخرى: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله سبحانه: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] يريد الدفع إلى المجاهدين، والعبد لا يدفع إليه.

ص : 155



(68) ويجوز دفعها إلى واحد منهم لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها»

مسألة 68: (ويجوز دفعها إلى واحد منهم) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمعاذ: " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» أمر بردها في صنف واحد، «وقال لقبيصة لما سأله في حمالته: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» وهو صنف واحد، وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر، وهو واحد، فتبين بهذا أن المراد من الآية بيان موضع الصرف دون التعميم. وكذلك لا يجب تعميم كل صنف، ولأن التعميم بصدقة الواحد إذا أخذها الساعي غير واجب بخلاف الخمس.

(69) ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته وإلى العامل قدر عمالته، وإلى المؤلف ما يحصل به تأليفه، وإلى المكاتب والغارم ما يقضي به دينه، وإلى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه، وإلى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده، ولا يزاد واحد منهم على ذلك

مسألة 69: (ويدفع إلى الفقير والمسكين ما تتم به كفايته) لأن المقصود دفع حاجته، (ويعطى العامل قدر عمالته) لأنه مستحقه، (ويدفع إلى المؤلفة قلوبهم ما يحصل به التأليف، ويعطى المكاتب والغارم ما يقضي دينهما، ويعطى الغازي ما يحتاج إليه لغزوه) وإن كثر لما سبق (ويعطى ابن السبيل ما يوصله إلى بلده ولا يزاد أحد منهم على ذلك) لحصول المقصود.

ص : 156


(70) وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم: الفقير، والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل

مسألة 70: (وخمسة منهم لا يأخذون إلا مع الحاجة: الفقير، والمسكين، والمكاتب، والغارم لنفسه، وابن السبيل) ، فإن فضل مع الغارم شيء بعد قضاء دينه، أو مع المكاتب بعد أداء كتابته، أو مع الغازي بعد غزوه، أو مع ابن السبيل بعد قفوله استرجع منهم، وإن استغنوا عن الجميع ردوه، لأنهم أخذوه للحاجة وقد زالت الحاجة.
والباقون يأخذون أخذًا مستقرًا فلا يردون شيئًا، وهم أربعة: الفقراء، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة، لأن الفقراء والمساكين إنما يأخذون ما تتم به كفايتهم، والعامل يأخذ أجرة فأشبه الفقير والمؤلفة يأخذون مع الغنى وعدمه.
وكلام الخرقي يقتضي أن أخذ المكاتب أخذ مستقر، ووجهه أن حاجته لا تندفع إلا بما يغنيه فأشبه الفقير، فلو لزمه رد ما أخذ بعد أداء الكتابة لبقي فقيرًا محتاجًا.

(71) وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى وهم: العامل، والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين

مسألة 71: (وأربعة يجوز الدفع إليهم مع الغنى: العامل، والمؤلف، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين) لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع الغنى.

ص : 157