باب صفة الحج
 
باب صفة الحج

(78) وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالًا أحرم من مكة

مسألة 78: (وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالًا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف - وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة) وروى جابر في صفة حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث إلى أن قال: «فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج فركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب حتى أتى الموقف واستقبل القبلة حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا. ثم اضطجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى طلع الفجر فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ولم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلًا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت وأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: " انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلوًا فشرب منه» [رواه مسلم] . (فصل) ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيما يعدونه ليوم عرفة، فالمستحب لمن كان بمكة حلالًا - من المتمتعين الذين حلوا من عمرتهم ومن كان مقيمًا بها من أهلها وغيرهم - أن يحرموا يوم التروية حين يتوجهون إلى منى، لما تقدم من حديث جابر.

ص : 207


(79) وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف - وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة،

مسألة 79: (وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس صلى بها الظهر والعصر يجمع بينهما) لما سبق من حديث جابر، ثم يصير إلى الموقف، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وذلك لأن الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به إجماعًا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» أخرجه أبو داود وابن ماجه، وقال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثًا أشرف منه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل عرفة موقف، ارتفعوا عن بطن عرنة» رواه ابن ماجه، ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزه كما لو وقف بمزدلفة.

(80) ويستحب أن يقف في موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قريبًا من الصخرات) (ويجعل حبل المشاة بين يديه، ويستقبل القبلة

مسألة 80: (ويستحب أن يقف في موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند الجبل قريبًا من الصخرات) لما في حديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، (ويجعل حبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة) لذلك.

ص : 208


(81) ويكون راكبًا

مسألة 81: (ويكون راكبًا) وهو أفضل، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف راكبًا، لما ذكر في حديث جابر، فإن ذلك أعون له على الدعاء، وقد قيل: إن الراجل أفضل، ويحتمل أنهما سواء.

(82) ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير

مسألة 82: (ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «أكثر دعاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [رواه مسلم] .

(83) ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس

مسألة 83: (ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس) لأنه يوم ترجى فيه الإجابة، ولذلك أحببنا له الفطر ليتقوى على الدعاء، مع أن صومه بعرفة يعدل سنتين، وروى ابن ماجه قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بكم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء» ويستحب أن يدعو بالمأثور من الأدعية مثل ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ويسر لي أمري» رواه مسلم. وكان ابن عمر يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى. ثم يرد يده فيسكت قدر ما كان إنسان قارئًا بفاتحة الكتاب، ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك، ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض. وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء. فقال: أما سمعت قول الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء
وقوله: "إلى غروب الشمس" معناه أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعرفة حتى غربت الشمس. كذا في حديث جابر.

ص : 209


(84) ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار

مسألة 84: (ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار) وذلك أنه لا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع الإمام وهو الوالي الذي إليه أمر الحاج من قبل الإمام، فالمستحب أن يقف حتى يدفع الإمام ثم يسير نحو المزدلفة على طريق المأزمين لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلكه، وإن سلك الطريق الآخر جاز، ويكون عليه سكينة ووقار «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دفع وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب موركة رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة» ذكره في حديث جابر. «وروى ابن عباس أنه دفع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة فسمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: "أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بإيضاع الإبل» رواه البخاري، «وقال عروة: سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في حجة الوداع؟ قال: "كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص» . قال هشام بن عروة: والنص فوق العنق. متفق عليه.

(85) ويكون ملبيًا ذاكرًا لله عز وجل

مسألة 85: (ويكون ملبيًا ذاكرًا لله عز وجل) فإن ذكره مستحب في جميع الأوقات وهو في هذا الوقت آكد، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]
ولأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى والتلبس بعبادته والسعي إلى شعائره، فيستحب الإكثار فيه من ذكره، ويستحب التلبية لما روى الفضل بن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة» متفق عليه، وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: شهدت ابن مسعود يوم عرفة يلبي، فقال له رجل كلمة، فسمعته زاد في التلبية شيئًا لم أسمعه قبل ذلك: "لبيك عدد التراب".
ص : 210


(86) فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما

مسألة 86: (فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما) السنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء قبل حط الرحال. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بجمع بين المغرب والعشاء، والأصل في ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بينهما، رواه جابر وابن عمر وأسامة وغيرهم في أحاديث صحاح، ويكون ذلك قبل حط الرحال، لما روى مسلم عن أسامة بن زيد، أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام عشاء الآخرة فصلوا ثم حلوا» .

(87) ثم يبيت بها

مسألة 87: (ثم يبيت بها) والمبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم، وقال بعضهم: من فاته جمع فاته الحج لقوله سبحانه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» [رواه ابن ماجه] يعني من جاء من عرفة، وما احتجوا به من الآية فإن المنطوق فيها ليس بركن إجماعًا، فإنه لو بات بجمع ولم يذكر الله تعالى صح حجه بغير خلاف، فيحمل ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة والاستحباب.

ص : 211


(88) ثم يصلي الفجر بغلس

مسألة 88: (ثم يصلي الفجر بغلس) السنة أن يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح، والسنة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام، وفي حديث جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصبح حين تبين له الصبح» وفي حديث ابن مسعود «أنه صلى الفجر حين طلع الفجر، وقائل يقول قد طلع، وقائل يقول لم يطلع" ثم قال في آخر الحديث: "رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» رواه البخاري بنحو هذا.

(89) ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو، ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] ، ويقف حتى يسفر جدًا

مسألة 89: (ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو) وفي حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المشعر الحرام فرقي عليه، وحمد الله وهلله وكبره ووحده» . (ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا فيه لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] ويقف حتى يسفر جدًا) لما في حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا» .

(90) ثم يدفع قبل طلوع الشمس

مسألة 90: (ثم يدفع قبل طلوع الشمس) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله، «قال عمر: "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس فيقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خالفهم وأفاض قبل أن تطلع الشمس» رواه البخاري.

ص : 212


(91) فإذا بلغ محسرًا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى

مسألة 91: (فإذا بلغ محسرًا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى) يستحب الإسراع في وادي محسر، وهو ما بين جمع ومنى، فإن كان ماشيًا أسرع وإن كان راكبًا حرك دابته، قال جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أتى بطن محسر حرك دابته قليلًا» وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما أتى محسرًا أسرع وقال:
إليك تعدو قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها
معترضًا في بطنها جنينها

(92) فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، يكبر مع كل حصاة

مسألة 92: (فيبدأ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، ويرفع يده في الرمي، ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي، ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها) . وجمرة العقبة آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة عند العقبة، فلذلك سميت جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات مثل حصى الخذف، فإن ابن عباس قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة العقبة وهو على ناقته: "القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن كحصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا» رواه ابن ماجه. وفي حديث جابر: «كل حصاة منها مثل حصى الخذف» وروى سليمان بن عمر بن الأخوص «بمثل حصى الخذف» رواه أبو داود وابن ماجه، وفي حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها» ، وروى حنبل في المناسك بإسناده عن زيد بن أسلم قال: «رأيت سالم بن عبد الله استبطن الوادي ورمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مشكورًا. فسألته عما صنع فقال: "حدثني أبي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى الجمرة من هذا المكان، ويقول كلما رمى حصاة مثل ما قلت» .

(93) ويرفع يديه في الرمي

مسألة 93: (ويرفع يديه في الرمي) لأن ابن عمر وابن عباس كانا يرفعان أيديهما في الدعاء إذا رميا الجمرة.

ص : 213


(94) ويقطع التلبية بابتداء الرمي

مسألة 94: (ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي) لأن الفضل بن عباس روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة» متفق عليه، وكان رديفه يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره. ويقطعها عند أول حصاة يرميها لأنه قد روي في بعض ألفاظ حديث ابن عباس: «فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، قطع عند أول حصاة» رواه حنبل في المناسك.

(95) ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة

مسألة 95: (ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة) لما روى الترمذي قال: «لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات ثم قال: والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة» وهو حديث صحيح [رواه الترمذي] .

(96) ولا يقف عندها

مسألة 96: (ولا يسن الوقوف عندها) لأن ابن عمر وابن عباس رويا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يعقب» رواه ابن ماجه.

(97) ثم ينحر هديه

مسألة 97: (ثم ينحر هديه) وذلك أنه إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر لم يقف وانصرف إلى منزله، فأول شيء يبدأ به نحر الهدي إن كان معه هدي واجبًا كان أو تطوعًا، وينحر الإبل ويذبح ما سواها، ويستحب أن يتولى ذلك بيده، وإن استناب غيره جاز لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بعض هديه واستناب في الباقي» رواه جابر، وفي رواية أنس «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده سبع بدن قيامًا» رواه البخاري.

(98) ثم يحلق رأسه أو يقصره كل شيء إلا النساء،

مسألة 98: (ثم يحلق رأسه أو يقصر) والحلق أفضل لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة» والكل جائز.

(99) ثم قد حل

مسألة 99: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) لما روت عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة وحلق رأسه فقد حل له كل شيء إلا النساء» رواه الأثرم وأبو داود وقال: هو ضعيف، لأن راويه الحجاج عن الزهري ولم يلقه، وليس في رواية أبي داود "وحلق رأسه". وروى ابن ماجه عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء. فقال له رجل: يا ابن عباس، والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينضح رأسه بالمسك، أفطيب ذا أم لا؟» رواه أبو بكر في الشافي ورفعه، وعن عائشة قالت: «طيبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإحرامه حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت» متفق عليه.

ص : 214


(100) ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج

مسألة 100: (ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج) ويسمى طواف الإفاضة، لأنه يأتي به عند إضافته من منى إلى مكة وهو ركن الحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافًا لأن الله سبحانه قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] قال ابن عبد البر: هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء عند جميعهم، قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .

(101) ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أم ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل من كل شيء

مسألة 101: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أو ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل من كل شيء) وذلك أن المتمتع هو الذي ينوي عمرة مفردة ويفرغ من أفعالها، [وأفعالها الطواف لها والسعي والتقصير] ثم يحل، فإذا أحرم بالحج ومضى إلى عرفات ثم رجع إلى منى ورمى يوم النحر ونحر ثم أفاض وطاف للزيارة فإنه يسعى بين الصفا والمروة للحج، وذلك السعي كان للعمرة وهذا للحج. وعند الخرقي يسن في حق الحاج طواف القدوم، فإن كان قد سعى مع طواف القدوم ثم طاف للزيارة لم يحتج إلى سعي آخر، بل يكفيه سعيه مع طواف القدوم، ثم قد حل له كل شيء. قال ابن عمر: «لم يحل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض بالبيت ثم قد حل من كل شيء حرم منه» متفق عليه، ولا نعلم خلافًا في حصول الحل بطواف الزيارة. وأما السعي فإن قلنا هو ركن لم يحل حتى يسعى، وإن قلنا هو سنة احتمل أن يحل عقيب الطواف قبل السعي، لأنه لم يبق عليه واجب من الحج. ويحتمل أن لا يحل حتى يأتي به، لأنه من أفعال الحج، فأشبه السعي في حق المعتمر لا يتحلل حتى يأتي به.

ص : 215


(102) ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًا وشبعًا، وشفاء من كل داء واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك

مسألة 102: (ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًا وشبعًا، وشفاء من كل داء واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك) وروى ابن ماجه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ماء زمزم لما شرب له» «وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم، قال: فشربت منها كما ينبغي؟ قال: فكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثًا من زمزم وتضلع منها، إذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من زمزم» رواه ابن ماجه. ويقول عند الشرب: بسم الله، اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا. . . إلى آخر الدعاء.

ص : 216

الموضوع التالي


باب ما يفعله بعد الحل

الموضوع السابق


باب دخول مكة