باب الهدي والأضحية
 
باب الهدي والأضحية

والهدي والأضحية سنة


(والهدي والأضحية سنة) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى في حجته مائة بدنة، وضحى بكبشين أملحين موجوءين ذبحهما بيده وقال: "اللهم هذا منك ولك" [رواه أبو داود] [واضعًا قدمه على صفاحهما» ] .

(123) لا تجب إلا بالنذر

مسألة 123: (ولا يجب الهدي والأضحية إلا بالنذر) فيقول: لله علي أن أذبح هذا الهدي أو هذه الأضحية، وإن قال: هذا نذر لله وجب، لأن لفظه يقتضي الإيجاب فأشبه لفظ الوقوف، ولا يجب بسوقه مع نيته، كما لا تجب الصدقة بالمال بخروجه به.


(124) والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها

مسألة 124: (والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بدنة» [رواه البخاري] ، ولا يفعل إلا الأفضل.

(125) والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم

مسألة 125: (والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [في الساعة الأولى] فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» متفق عليه.

ص : 231


(126) ويستحب استحسانها واستسمانها

مسألة 126: (ويستحب استحسانها واستسمانها) لقوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] قال ابن عباس: هو الاستسمان والاستحسان.

(127) ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه، وثني المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان

مسألة 127: (ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن) وهو الذي به ستة أشهر (والثني من غيره ومن المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ما له سنتان) لما روى ابن ماجه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يجوز الجذع من الضأن أضحية» «وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له مجاشع من بني سليم: فغرت الغنم، فأمر مناديًا فنادى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "الجذع يوفي بما توفي منه الثنية» رواه ابن ماجه، وأحكام الهدي والأضاحي سواء. قال أبو عبيد الهروي: قال إبراهيم الحربي: إنما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي، لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يصير ثنيًا.

(128) وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة

مسألة 128: (وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة) وروى جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من
الضأن» رواه ابن ماجه، «وعن جابر قال: كنا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: والبقر؟ فقال: وهل هي إلا من البدن» [رواه مسلم] . وأحكام الهدي والأضاحي سواء.

ص : 232


(129) ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العجفاء التي لا تنقى، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا المريضة البين مرضها

مسألة 129: (ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العجفاء التي لا تنقى، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا المريضة البين مرضها) قال البراء بن عازب: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسيرة التي لا تنقى» [رواه ابن ماجه] .

(130) ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها

مسألة 130: (ولا تجزئ العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضحي بأعضب الأذن والقرن» [رواه ابن ماجه] قال قتادة: فسألت سعيد بن المسيب فقال: نعم العضب النصف فأكثر من ذلك. رواه النسائي.

(131) وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من

مسألة 131: (وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها) والأبتر المقطوع الذنب؛ لأن ذلك ليس بمقصود، والجماء التي لم يخلق لها قرن فتجزئ لأن القرن غير مقصود، ويجزئ الخصي لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين» والموجوء الذي رضت خصيتاه أو قطعتا، ولا فرق بينهما لأن المرضوض كالمقطوع ولأن ذلك العضو غير مستطاب وذهابه يؤثر في سمنه وكثرة اللحم، وطيبه لا نعلم فيه خلافًا.


مسألة 132: وتجزئ ما شقت أذنها بالكي أو خرقت أو قطع أقل من نصفها لأنه يسير ولا يمكن التحرز منه لا نعلم فيه خلافًا.

ص : 233

نصفها

(133) والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى

مسألة 133: (والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى) لقوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وقال زياد بن جبير: «رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قيامًا مقيدة، سنة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . متفق عليه.

(134) وذبح البقر والغنم على صفاحها

مسألة 134: (وذبح البقر والغنم) لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "دخل علينا بلحم بقر، فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواجه» [رواه البخاري] ، وقال أنس: «ضحى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما» متفق عليه، «ونحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده ثلاثًا وستين بدنة وأعطى عليًا فنحر ما غبر منها» .

(135) ويقول عند ذلك: " باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك "

مسألة 135: (ويستحب أن يقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك) لما روى أنس قال: «ضحى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر» متفق عليه، وروى جابر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عند أضحيته: "اللهم هذا منك ولك وعن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر" ثم ذبح» .

(136) ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل

مسألة 136: (ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم) لأنها قربة (وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل) لحديث أنس.

(137) ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق

مسألة 137: (ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد) أو قدرها (إلى آخر يومين من أيام التشريق) لما روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك. ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» متفق عليه. هذا في حق أهل المصر، فأما غيرهم فبقدر الصلاة والخطبة، لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة فاعتبر قدرها، وآخر وقتها آخر اليومين الأولين من أيام التشريق، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث» متفق عليه، فوجه الحجة أنه منع من الزيادة على ثلاث ولا ينبغي أن ينهى عن الادخار في زمن التضحية، فلو جازت التضحية في اليوم الرابع كان ناهيًا عن إمساك اللحم في يوم يحل إمساك اللحم وأكله فيه.

ص : 234


(138) وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية، والهدي بقوله: هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية

مسألة 138: (وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية) أو هذا لله، ونحوه من القول، ولا يحصل ذلك بالشراء مع النية لأنه إزالة ملك على وجه القربة فلم تؤثر فيها النية المقارنة للشراء كالوقف والعتق (وكذلك الهدي، ويتعين بإشعاره أو تقليده مع النية) كما لو أذن على باب بيته وأذن بالصلاة فيه.

(139) ولا يعطى الجزار بأجرته شيئًا منها

مسألة 139: (ولا يعطى الجزار بأجرته شيئًا منها) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنه، وأن أقسم جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئًا، وقال: "نحن نعطيه من عندنا» متفق عليه.

(140) والسنة أن يأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثه، وإن أكل أكثر جاز

مسألة 140: (والسنة أن يأكل من أضحيته ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها) لما روى عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأضحية قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث» قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن. وقال ابن عمر: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين (وإن أكل أكثر جاز) لأنها سنة غير واجبة.

ص : 235


(141) وله أن ينتفع بجلدها

مسألة 141: (وله أن ينتفع بجلدها) ويصنع منه النعال والخفاف والفراء والأسقية ويدخر منها، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوها ما بدا لكم» رواه مسلم، ولأن الجلد جزء من الأضحية فجاز الانتفاع به كاللحم، (ولا يبيع جلدها) لأنه لا يجوز بيع شيء منها والجلد جزء منها.

(142) ولا يبيعه ولا شيئا منها

مسألة 142: (ولا يجوز أن يبيع شيئًا منها) لأنه لا يجوز أن يعطى الجازر بأجرته شيئًا منها للخبر فكذلك لا يجوز أن يبيع شيئًا منها.

(143) فأما الهدي إن كان تطوعا استحب له الأكل منه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جزور ببضعة فطبخت فأكل من لحمها، وحسا من مرقها

مسألة 143: (فأما الهدي إن كان تطوعًا استحب له الأكل منه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جزور ببضعة فطبخت وأكل من لحمها وحسا من مرقها) في حديث جابر.

(144) ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران

مسألة 144: (ولا يأكل من واجب إلا من هدي التمتع والقران) لأن أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كن متمتعات إلا «عائشة فإنها كانت قارنة لإدخالها الحج على العمرة وقالت: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة، قالت: فدخل علينا لحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواجه» ولأنه دم نسك فجاز الأكل منه كالأضحية، ولا يجوز الأكل من واجب سواها لأنه كفارة فلم يجز الأكل منه ككفارة اليمين، وعنه: له الأكل من الجميع إلا المنذور وجزاء الصيد، وروت
أم سلمة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي» رواه مسلم.

ص : 236

الموضوع التالي


باب العقيقة