باب الإجارات
 
باب الإجارات

(4) وإن وقعت على عين فلا بد من معرفتها

مسألة 4: (وإن وقعت الإجارة على عين فلا بد من معرفتها) وإجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن يكون على مدة كإجارة الدار شهرًا أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة، فيشترط معرفتها لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها، كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها. القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين أو دراس زرع، فتشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف كيلا يفضي إلى التنازع والاختلاف كما قلنا في المبيع.

(5) ومن استأجر شيئًا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه

مسألة 5: (ومن استأجر شيئًا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه) فإذا اكترى دارًا فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر لأنه لم يزد على استيفاء حقه، ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضررًا منه لأنه يأخذ فوق حقه.

(6) وإن استأجر أرضا لزرع فله زرع ما هو أقل منه ضررا، فإن زرع ما هو أكثر منه ضررا

مسألة 6: (وإن استأجر أرضًا لزرع فله زرع ما هو أقل ضررًا منه) فإذا استأجر أرضًا لزرع حنطة فله أن يزرع شعيرًا أو باقلاء، وليس له زرع ما هو أكثر ضررًا منه كالدخن والذرة والقطن لأن ضررها أكثر، ولا يملك الغرس ولا البناء لأنه أضر من الزرع.

(7) أو يخالف ضرره ضرره فعليه أجرة المثل

مسألة 7: (ولا يجوز له أن يخالف ضرره ضرره) مثل القطن والحديد إذا اكترى لأحدهما لم يملك حمل الآخر لأن ضررهما يختلف، فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله والقطن يتجافى وتهب فيه الريح فينصب الظهر، فإن فعل شيئًا من ذلك فعليه أجرة المثل لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها [فلزمه أجرة المثل] كما لو استأجر أرضًا لزرع شعير فزرعها قمحًا، أو كما لو حمل عليها من غير استئجار.

(8) وإن اكترى إلى موضع فجاوزه أو لحمل شيء فزاد عليه أجرة المثل للزائد

مسألة 8: (وإن اكترى إلى موضع فجاوزه) كمن يكتري دابة إلى حمص فركبها إلى حلب، (أو لحمل شيء فيزيد عليه) كمن اكترى لحمل قنطار فحمل قنطارًا ونصفًا (فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد) لأنها غير مأذون فيها فلزمه أجرتها كما لو غصبها في الجميع، وقال أبو بكر: عليه أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضًا فزرع أخرى، والأول أجود لأنه إنما عدل في الزيادة لا غير، فنقول: فعل المعقود عليه وزاد فلزمته الأجرة المذكورة للمعقود عليه وأجرة المثل للزيادة لأنها غير مأذون فيها، أشبه ما لو استأجر أرضًا فزرعها وزرع أخرى.

ص : 298


(9) وضمان العين إن تلفت

مسألة 9: (ويلزمه ضمان العين إن تلفت) بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن لأنها تلفت بالجناية عليها، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه وهو ساكت فإن الضمان يلزمه.

(10) وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه

مسألة 10: (وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه) لأنه غير متعد.

(11) ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط

مسألة 11: (ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط) والإجارة على ضربين: خاص ومشترك.
فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية شهرًا أو سنة أو أكثر، سمي خاصًا لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس، لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل أن تهلك الماشية معه أو تنكسر آلة الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد؛ لأنه أمين فلم يضمن من غير تعد كالمودع، والتعدي أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها حتى تبعد منه بعدًا فاحشًا فيأكلها الذئب أو يضرب الشاة ضربًا كثيرًا فيضمن بعدوانه.
والضرب الثاني: الأجير المشترك، وهو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب أو بناء حائط، سمي مشتركًا لأنه يعمل للمستأجر وغيره يتقبل أعمالًا كثيرة في وقت واحد فيشتركون في منفعته فيضمن ما جنت يده، مثل أن يدفع إلى حائك عملًا فيفسد حياكته، أو القصار يخرق الثوب بدقه أو عصره، والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه، والخباز في خبزه، لما روى جلاس بن عمرو أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يضمن الأجير، ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق، وكان ضامنًا لها كالمستعير.

ص : 299


(12) ولا على حجام أو ختان أو طبيب إذا عرف منه حذق في الصنعة ولم تجن أيديهم

مسألة 12: ولا ضمان على حجام ولا ختان أو طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم) إذا فعل هؤلاء ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين:
أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق وبصارة في صنعتهم ومعرفة بها.
والثاني: ألا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما أمروا به، لأنهم إذا كانوا كذلك فقد فعلوا فعلًا مأذونًا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق، أو فعلًا مباحًا مأمورًا به أشبه ما ذكرنا.


مسألة 13: فأما إذا لم يعرف منهم حذق الصنعة فلا يحل لهم مباشرة القطع، فإن قطعوا مع هذا كان فعلًا محرمًا فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.
وإن كانوا حذاقًا إلا أن أيديهم جنت، مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو بعضها أو يقطع في غير محل القطع، أو في وقت لا يصلح القطع فيه فإنه يضمن؛ لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.

(14) ولا على الراعي إذا لم يتعد

مسألة 14: (ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد) لأنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد كالمودع.
والتعدي أن ينام عنها أو يتركها حتى تبعد عنه كثيرًا وشبه ذلك، إذا فعل هذا ضمن لأنه تلف بعدوانه.

(15) ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف حرزه

مسألة 15: (ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه) وذلك أن القصار إذا أتلف الثوب بقوة الدق والعصر، والخياط بخياطته، فإنه يضمن لأنه قبض العين لمنفعته فأشبه المستعير، فأما إن تلفت من حرزه فلا يضمن لأنه أمين فأشبه المودع.

ص : 300

الموضوع التالي


باب الغصب

الموضوع السابق


باب الإجارة