باب الهبة
 
باب الهبة

وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض


وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض

(11) وتصح بالإيجاب والقبول والعطي المقترنة بما يدل عليها

مسألة 11: (وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها) فالإيجاب أن يقول: وهبتك أو ملكتك أو أعطيتك، أو لفظ يؤدي هذا المعنى، والقبول أن يقول: قبلت أو رضيت أو نحو هذا، إذا لم يوجد قبض، فأما مع القبض فلا يفتقر إلى ذلك لأن الأخذ قام مقام القبول في الدلالة على الرضا به وقبوله، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهدي ويهدى إليه ويهب ويوهب له، وكذلك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول، ولو استعملوه لنقل إلينا نقلًا شائعًا، ولم ينقل إلا المعاطاة والتفرق عن تراض فكان ذلك كافيًا.

ص : 314


(12) وتلزم بالقبض

مسألة 12: (وتلزم بالقبض) وهو إجماع الصحابة؛ لأن ذلك روي عن أبي بكر وعمر ولم يعرف لهم مخالف، وروي عن عائشة أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقًا من ماله بالغابة، فلما مرض قال: يا بنية إني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقًا وددت أنك كنت حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله عز وجل، ولأنها هبة غير مقبوضة فلا تلزمه كما لو مات قبل أن يقبض، وعنه يلزمه في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة، لما روي عن علي وابن مسعود رضي عنهما، أنهما قالا: الهبة إذا كانت معلومة فهي جائزة قبضت أو لم تقبض، ولأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما يلزم قبل القبض كالبيع.

(13) ولا يجوز الرجوع فيها

مسألة 13: (ولا يجوز الرجوع فيها) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» (رواه مسلم) وفي لفظ «كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء» متفق عليه.

(14) إلا الأب لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده»

مسألة 14: (إلا الأب، لما «روى ابن عمر وابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده» إذا لم يتعلق به حق لأحد، قال الترمذي: حديث حسن. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يرجع واهب في هبته، إلا الوالد من ولده» (رواه أبو داود) .

ص : 315


(15) والمشروع في عطية الأولاد أن يسوي بينهم على قدر ميراثهم لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»

مسألة 15: (والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم) لأن التسوية بينهم واجبة، والتسوية الواجبة المأمور بها هي القسمة بينهم على قدر ميراثهم، لأنه تعجيل لما يصل إليهم بعد الموت فأشبه الميراث، فإن خص بعضهم فعليه بالتسوية بالرجوع وإعطاء الآخر حتى يستووا، لما «روى النعمان بن بشير قال: "تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى يشهد عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاء أبي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليشهد على صدقتي، فقال: أكل ولدك أعطيت مثله؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة» (رواه البخاري) وفي لفظ: «لا تشهدني على جور» وفي لفظ: "فاردده" وفي لفظ: "فارجعه" وفي لفظ: «فأشهد على هذا غيري» وفي لفظ: "سو بينهم"، وهو يدل على التحريم لأنه سماه جورًا وأمر برده، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن تخصيص بعضهم يورث بينهم العداوة وقطيعة الرحم فيمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وخالتها.

(16) وإذ قال لرجل: أعمرتك داري أو هي لك عمري، فهي له ولورثته من بعده

مسألة 16: (وإذا قال لرجل: أعمرتك داري أو هي لك عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًا وميتًا» متفق عليه، وفي لفظ: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرى لمن وهبت له» متفق عليه، ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافيًا لحكم الأملاك، وعنه ترجع بعد موته إلى المعمر، لما روى جابر قال: «إنما العمرى التي أجازها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها» متفق عليه.

(17) وإن قال: سكناها لك عمرك، فله أخذها متى شاء

مسألة 17: (وإن قال: سكناها لك عمري فله أخذها متى شاء) لأن الموهوب هاهنا المنفعة، وإنما تملك بمضي الزمان شيئًا فشيئًا فله أخذها لأنها لا تقع لازمة، فهي بمنزلة العارية.


ص : 316

الموضوع التالي


باب عطية المريض

الموضوع السابق


باب الوقف