باب القسم والنشوز
 
باب القسم والنشوز

وعلى الرجل العدل بين نسائه في القسم


(وعلى الرجل العدل بين نسائه في القسم) لا نعلم فيه خلافًا بينهم في وجوب التسوية بين زوجاته في القسم، وقد قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وليس مع الميل معروف وقد قال تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] . وقالت عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بيننا فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» رواه أبو داود.

(29) وعماده الليل

مسألة 29: (وعماد القسم الليل) ولا خلاف في ذلك، لأن الليل للسكن يأوي الإنسان إلى أهله، والنهار للمعاش والخروج في الأشغال، قال الله سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] ، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بين نسائه ليلة وليلة، وفي النهار لمعاشه وقضاء حقوق الناس.

ص : 433


(30) فيقسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية

مسألة 30: (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين) لما روى الدارقطني عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين. احتج به الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن كانت إحداهما كتابية فإنه يساوي بينهما في القسم، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء، لأنه من حقوق الزوجية فأشبه النفقة والسكنى.

(31) وليس عليه المساواة في الوطء بينهن

مسألة 31: (وليس عليه المساواة بينهن في الوطء) لا نعلم فيه خلافًا، لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية في ذلك فإن القلب يميل، وقد قال الله سبحانه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] قال عبيدة السلماني: في الحب والجماع. وإن أمكنه التسوية بينهن في الجماع كان أحسن وأبلغ في العدل، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم فيعدل ثم يقول: " «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» (رواه أبو داود) ولأنهن متساويات في الحق، فلا يمكن الجمع فوجب المصير إلى القرعة (لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فمن خرجت قرعتها خرج بها معه» متفق عليه. فالقرعة في السفر منصوص عليها، وابتداء القسم مقيس عليه.

(32) وليس له البداءة في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة، «فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه»

مسألة 32: (وليس له البداية في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة) لأن البداية بها تفضيل والتسوية واجبة.

(33) وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضراتها بإذن زوجها، أو له فيجعله لمن شاء منهن «لأن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة»

مسألة 33: (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذن زوجها أو له فيجعله لمن شاء منهن) لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه، فإذا رضيا جاز لأن الحق لا يخرج عنهما، وقد روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» ، متفق عليه.

ص : 434


(34) وإذا أعرس على بكر أقام عندها سبعًا ثم دار، وإن أعرس على ثيب أقام عندها ثلاثًا لقول أنس: «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أن يقيم عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا» ، وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن البواقي «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً ثم قال: " ليس بك هوان على أهلك، إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي»

مسألة 34: (وإذا عرس عند بكر أقام عندها سبعًا ثم دار، وإذا عرس عند ثيب أقام عندها ثلاثًا) وذلك لما روى أبو قلابة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم» قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، متفق عليه. (وإذا أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعًا فعل ثم قضاهن للبواقي) لما روي عن أم سلمة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثًا وقال: " إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي» رواه مسلم، وفي لفظ: " إن «شئت ثلثت ثم درت» ، وفي لفظ: «إن شئت أقمت عندك ثلاثًا خالصة لك» .

فصل في آداب الجماع


فصل: ويستحب التستر عند الجماع وأن يقول ما رواه ابن عباس: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً»
(فصل: ويستحب التستر عند الجماع) لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " «إذا أتى أحدكم إلى أهله فليستتر ولا ينكشف انكشاف العير» (رواه ابن ماجه) أو كما قال. (ويستحب أن يقول عند الجماع ما روى ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا» متفق عليه.

ص : 435


فصل: وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -


فصل إذا خافت المرأة من زوجها نشوزًا أو إعراضًا]
(فصل: وإذا خافت المرأة من زوجها نشوزًا أو إعراضًا) لمرض أو كبر (فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله) فروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» ، متفق عليه، ولقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الآية.

(35) وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها، فإن أظهرت نشوزاً هجرها في المضجع، فإن لم يردعها ذلك فله أن يضربها ضرباً غير مبرح، وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها مؤمنين يجمعان إن رأيا أو يفرقان، فما فعلا من ذلك لزمهما

مسألة 35: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته) بأن تظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة فإنه (يعظها) ويخوفها الله سبحانه ويذكر لها ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها بذلك من الإثم وما يسقط عنها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها فهجرها لقوله سبحانه: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] (فإن أصرت وأظهرت النشوز والامتناع من فراشه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء) لقوله سبحانه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] ، (فإن أصرت فله أن يضربها ضربًا غير مبرح) لقوله سبحانه: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] (فإن خيف الشقاق بينهما) يعني علم (بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان، فما فعلا من ذلك لزمهما) وذلك أن الزوجين إذا خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين، والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما وتوكيلهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع، فما فعلا من ذلك لزمهما، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] .
فصل: واختلفت الرواية عن أحمد في الحكمين، فعنه أنهما وكيلان لا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن البضع حقه والمال حق المرأة، وهما رشيدان فلا يتصرف غيرهما لهما إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما فكانا وكيلين، وعنه هما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغيره لا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روى ذلك عن علي وابن عباس، لأن الله سبحانه سماهما حكمين ولا يعتبر رضا الزوجين، ثم قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] فخاطب الحكمين بذلك، ولا يمنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضي الدين من ماله إذا امتنع، ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع.


ص : 436

الموضوع التالي


باب الخلع

الموضوع السابق


باب معاشرة النساء