باب الخلع
 
باب الخلع

(36) وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت أن لا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه

مسألة 36: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت أن لا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه) لقوله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وروى البخاري قال: «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فردت عليه، وأمره ففارقها» (رواه البخاري) .

(37) ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها

مسألة 37: (ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها) فإن فعل كره وصح، روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس لقوله سبحانه: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وقالت الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عفاص رأسي فأجاز ذلك عليَّ عثمان بن عفان، ومثل هذا يشتهر فيكون إجماعًا.


ص : 437


(38) فإذا خلعها أو طلقها بعوض بانت منه فلم يلحقها طلاقه بعد ذلك ولوواجهها به

مسألة 38: (فإذا خلعها أو طلقها بعوض بانت منه فلم يلحقها طلاقه بعد ذلك وإن واجهها به) فإذا قال الرجل لزوجته: خالعتك أو فاديتك أو فسخت نكاحك، أو طلقها على عوض بذلته له ورضي به فقد بانت منه وملكت نفسها بذلك، ولو أراد ارتجاعها لم يكن له ذلك إلا بنكاح جديد، ولو طلقها لم يقع بها طلاقه ولو واجهها به، وهو قول ابن عباس وابن الزبير، ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما فكان إجماعًا، ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها. ولأنه لا يملك بضعها فلم يملك طلاقها كالأجنبية، ولا فرق بين أن يواجهها ويقول: أنت طالق، أو لا يواجهها فيقول: فلانة طالق، سواء كانت في العدة أو قد خرجت منها.

(39) ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقًا وبالمجهول، فلو قالت: اخلعني بما في يدي من الدراهم أو ما في بيتي من المتاع ففعل صح وله ما فيهما، فإن لم يكن فيهما فله ثلاثة دراهم وأقل ما يسمى متاعاً إذا ثبت هذا فإنه إذا فعل جاز مع الكراهة لأنه روي في حديث جميلة " «فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد» (رواه ابن ماجه) وروي عن عطاء عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها» ، فيجمع بين الآية والخبر فنقول: الآية دلت على الجواز، والنهي عن الزيادة في الخبر للكراهة.

مسألة 39: (ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقًا) لأنه عقد معاوضة ولأن المرأة مخالع بصداقها، فما جاز صداقًا جاز عوضًا في الخلع، إلا أن الخلع (يصح بالمجهول) ، وقال أبو بكر لا يصح لأنه عقد معاوضة أشبه البيع.
ودليل الأول أن الخلع يصح تعليقه على الشرط، فجاز أن يستحق به المجهول كالوصية (فلو قالت: اخلعني على ما في يدي من الدراهم أو ما في بيتي من المتاع فخالعها على ذلك صح وله ما فيهما، وإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم) نص عليه الإمام أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة فاستحقه كما لو وصى له بدراهم، وكذا إن لم يكن في بيتها متاع (فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع) كالمسألة قبلها.

ص : 438


(40) وإن خالعها على عبد معين فخرج معيبًا فله أرشه أو رده وأخذ قيمته

مسألة 40: (وإن خالعها على عبد فخرج معيبًا فله أرشه أو رده وأخذ قيمته) لأنه عوض في معاوضة فيستحق ذلك كالبيع والصداق.

(41) وإن خرج مغصوبًا أو حرًا فله قيمته

مسألة 41: (وإن خرج مغصوبًا أو حرًا فله قيمته) لأنه خالعها على عوض يظنه مالًا فبان غير مال فالخلع صحيح لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح، فإذا ثبت صحته فإنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبدًا لأنها عين يجب تسليمها مع سلامتها مع بقاء سبب الاستحقاق، فوجب بذلها مقدرًا بقيمتها كالمغصوب والمعار.

(42) ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه

مسألة 42: (ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه) مسلمًا كان أو ذميًا لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبعوض أولى.

(43) ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال

مسألة 43: (ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال) فلو خالعت المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون لم يصح الخلع؛ لأنه تصرف في المال وليس لهن أهلية التصرف فيه، ويقع طلاقه رجعيًا لأنه لم يسلم له العوض، وسواء أذن لهن الولي أو لم يأذن، لأنه ليس له الإذن في التبرعات، وهذا تبرع.

ص : 439


الموضوع التالي


باب الطلاق

الموضوع السابق


باب القسم والنشوز