باب الأطعمة
 
باب الأطعمة

(وهي نوعان: حيوان وغيره، فأما غير الحيوان فكله مباح) لأن الأصل في الأشياء الإباحة بقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (إلا ما كان نجسًا) فإنه حرام الأكل بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحمر الأهلية: " «اكفئوها فإنها رجس» (رواه البخاري) وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] والرجس اسم لما استقذر، والنجس مستقذر، وقد أمر في أثناء الآية باجتنابه بقوله {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فدل على تحريمه (والمضر حرام أيضًا لضرره كالسموم) ونحوها.

مسألة 1: (والأشربة كلها مباحة) لأن الأصل الإباحة (إلا ما أسكر فإنه يحرم) قليله وكثيره من أي شيء كان لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» رواه ابن عمر، وعن جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» رواهما أبو داود والأثرم وغيرهما، وقال عمر: نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، ولأنه مسكر فأشبه عصير العنب.

ص : 485


(2) وإن تخللت الخمرة طهرت وحلت، وإن خللت لم تطهر

مسألة 2: (وإن تخللت الخمر طهرت وحلت) وهذا إجماع (وإن خللت لم تطهر) لما «روى أبو طلحة قال: " لما نزل تحريم الخمر كان عندي خمر لأيتام، فقلت: يا رسول الله أخللها؟ قال: لا، أرقها " فأمر بإراقتها» ، ولو كان يحل تخليلها لما أمر بإراقتها، لأنه يكون إتلاف مال، وتضيع على الأيتام، وذلك لا يجوز.

فصل: والحيوان قسمان: بحري وبري، فأما البحري فكله حلال إلا الحية والضفدع والتمساح


فصل في أقسام الحيوان]
(فصل: والحيوان قسمان: بحري وبري، فأما البحري فكله حلال) لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في البحر: " «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (رواه أبو داود) وهذا عام (إلا الحية والضفدع) لأنهما من الخبائث، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل الضفدع (إلا التمساح) لأنه يأكل الناس وله ناب يجرح.

(3) وأما البري فيحرم منه كل ذي ناب من السباع

مسألة 3: (وأما البري فيحرم منه كل ذي ناب من السباع) وهي التي تضرب بأنيابها الشيء وتفرس، وهو مذهب أكثر أهل العلم، لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع» متفق عليه، وقال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أكل كل ذي ناب من السباع حرام» (رواه مسلم) ، قال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت صحيح مجمع على صحته، وهذا نص صريح.

ص : 486


(4) وكل ذي مخلب من الطير كالنسور والرخم وغراب البين الأبقع

مسألة 4: (ويحرم كل ذي مخلب من الطير) وهي التي تعلف بمخالبها الشيء وتصيد بها، لما روى ابن عباس قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» ، وعن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حرام عليكم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير» رواهما أبو داود.

(5) والحمر الأهلية

مسألة 5: (وتحرم الحمر الأهلية) لما روى جابر " أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل» متفق عليه.

(6) والبغال

مسألة 6: (والبغال محرمة) لأنها متولدة منها، والمتولد من شيء له حكمه في التحريم، قال قتادة: ما البغل إلا شيء من الحمار. وعن جابر قال: «ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البغال والحمر ولم ينهنا عن الخيل» (رواه أبو داود) .

(7) وما يأكل الجيف من الطير

مسألة 7: (وما يأكل الجيف من الطير كالنسور والرخم وغراب البين الأبقع) قال عروة: ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفاسق؟ ولعله يعني قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خمس فواسق، يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور» (رواه البخاري) فهي محرمة لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماها فواسق وأمر بقتلها، وما يحل أكله لم يحل قتله بل يذبح.

(8) وما يستخبث من الحشرات كالفأر ونحوها

مسألة 8: (ويحرم كل ما يستخبث من الحشرات) كالديدان والجعلان وبنات وردان والخنافس والفأر والأوزاغ والحرباء والعظاء والجراذين والعقارب والحيات لقوله سبحانه:
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وهذه من الخبائث، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس يقتلن في الحل والحرم: الغراب والفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور» وفي حديث مكان الفأرة الحية، ولو كانت من الصيد المباح لما أبيح قتلها للمحرم؛ لأن الله سبحانه قال: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ، وقال سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وكذلك القنفذ لما روى أبو داود أن أبا هريرة قال: «ذكر القنفذ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " هو خبيثة من الخبائث» ".

ص : 487


(9) إلا اليربوع

مسألة 9: (إلا اليربوع) يعني أنه مباح؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد تحريم، وعنه أنه حرام لأنه يشبه الفأر.

(10) والضب لأنه أكل على مائدة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ينظر وقيل له: أحرام هو؟ قال: " لا " وما عدا هذا مباح

مسألة 10: (والضب حلال) لما «روى ابن عباس قال: " دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيت ميمونة فأُتي بضب محنوذ فقيل: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينظر» متفق عليه. «وقال عمر: " إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحرم الضب ولكنه قذره، ولو كان عندي لأكلته» .

(11) ويباح أكل الخيل

مسألة 11: (ويباح أكل الخيل) لحديث جابر، وقد تقدم.

(12) والضبع لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن في لحوم الخيل وسمى الضبع صيدا

مسألة 12: (ويباح الضبع) لما «روى جابر قال: " أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكل الضبع. قلت: صيد هي؟ قال: نعم» واحتج به الإمام أحمد، وفي لفظ قال: " «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الضبع فقال: هو صيد، ويجعل فيه كبشًا إذا صاده المحرم» رواه أبو داود.

ص : 488

الموضوع التالي


باب الذكاة

الموضوع السابق


باب الوليمة